طيّب ، ولا يقبل الله إلا طيبا ولا يصعد إلى السماء إلا طيّب ، إلّا كأنما يضعها في يد الرحمن فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه ، حتى أنّ اللّقمة لتأتي يوم القيامة وإنّها لمثل الجبل العظيم» ، ثم قرأ : (أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ).
قوله تعالى : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)) ، قال مجاهد : هذا وعيد لهم. قيل : [في](١) رؤية الرسول صلىاللهعليهوسلم (٢) بإعلام الله تعالى إيّاه ، ورؤية المؤمنين بإيقاع المحبة في قلوبهم لأهل الصلاح ، والبغضة لأهل الفساد.
قوله تعالى : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦)) ، قرأ أهل المدينة والكوفة غير أبي بكر : (مُرْجَوْنَ) بغير همز ، والآخرون بالهمز ، والإرجاء : التأخير ، مرجون :مؤخرون لأمر الله : لحكم الله عزوجل فيهم ، وهم الثلاثة الذين تأتي قصّتهم من بعد : كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع ، لم يبالغوا في التوبة والاعتذار كما فعل أبو لبابة وأصحابه ، فوقفهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم خمسين ليلة ونهى الناس عن مكالمتهم ومخالطتهم ، حتى شقّهم القلق وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وكانوا من أهل بدر فجعل أناس يقولون : هلكوا ، وآخرون يقولون : عسى الله أن يغفر لهم ، فصاروا مرجئين لأمر الله ، [(إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ، أي : لا يدرون إما يعذبهم ، أو يرحمهم](٣) حتى نزلت توبتهم بعد خمسين ليلة.
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧))
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) ، قرأ أهل المدينة والشام (الَّذِينَ) بلا واو وكذلك هو في مصاحفهم ، وقرأ الآخرون بالواو. (مَسْجِداً ضِراراً).
[١١١٤] نزلت هذه الآية في جماعة من المنافقين بنو مسجدا يضارّون به مسجد قباء ، وكانوا اثني عشر رجلا من أهل النفاق ، وديعة بن ثابت وخذام بن خالد ، ومن داره أخرج هذا المسجد ، وثعلبة بن حاطب ، وحارثة بن عمرو ، وابناه مجمع وزيد ، ومعتب بن قشير ، وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف ، وأبو حبيبة بن الأزعر ، ونبتل بن الحارث ، ويجاد بن عثمان ، ورجل يقال له بحذج (٤) ، بنوا هذا المسجد ضرارا ، يعني مضارّة للمؤمنين ، (وَكُفْراً) ، بالله ورسوله ، (وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، لأنهم كانوا جميعا يصلون في مسجد قباء فبنوا مسجد الضرار ليصلّي فيه بعضهم فيؤدّي ذلك إلى الاختلاف وافتراق الكلمة ، وكان
__________________
[١١١٤] ـ قال الحافظ في «تخريج الكشاف» (٢ / ٣٠٩) : لم أجده بهذا السياق إلا في الثعلبي بلا إسناد اه.
وبنحو سياق المصنف أخرجه الطبري ١٧٢٠٠ من طريق ابن إسحاق عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة.
وأخرج الطبري ١٧٢٠١ والبيهقي في «الدلائل» (٥ / ٢٦٢ ، ٢٦٣) عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بعضه ، وهو منقطع بين ابن عباس وابن أبي طلحة.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) العبارة في المطبوع «مرجئين لأمر الله لا يدرون أيعذبهم أم يرحمهم حتى نزلت ...».
(٤) في المخطوط «بخرج» وفي تفسير الطبري «بحرج».