يصلّي بهم مجمع بن حارثة ، فلما فرغوا من بنائه أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يتجهّز إلى تبوك فقالوا : يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدا لذي العلّة والحاجة ، والليلة المطيرة والليلة الشاتية ، إنا نحب أن تأتينا وتصلّي بنا فيه وتدعو لنا بالبركة ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إني على جناح سفر ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلّينا لكم فيه».
(وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) ، أي : انتظارا وإعدادا لمن حارب الله ورسوله. يقال : أرصدت له إذا عددت له. وهو أبو عامر الراهب وكان أبو عامر هذا رجلا منهم ـ وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة (١) ـ وكان قد ترهّب في الجاهلية تنصّر ولبس المسوح ، فلما قدم النبيّ صلىاللهعليهوسلم المدينة قال له أبو عامر : ما هذا الذي جئت به؟ قال : جئت بالحنيفية دين إبراهيم ، قال أبو عامر : فإنّا عليها ، فقال له النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «إنك لست عليها» ، قال : بلى ، ولكنّك أدخلت في الحنيفية ما ليس منها ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ما فعلت ولكني جئت بها بيضاء نقيّة» ، فقال أبو عامر : أمات الله الكاذب منّا طريدا وحيدا غريبا ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «آمين» ، وسمّاه أبا عامر الفاسق ، فلما كان يوم أحد قال أبو عامر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم ، فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين ، فلما انهزمت هوازن يئس وخرج هاربا إلى الشام فأرسل إلى المنافقين أن استعدّوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح ، وابنوا لي مسجدا فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآت بجند من الروم ، فأخرج محمدا وأصحابه من المدينة ، فبنوا مسجد الضرار إلى جنب مسجد قباء ، فذلك قوله تعالى : (وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) ، وهو أبو عامر الفاسق ليصلّي فيه إذا رجع من الشام. قوله : (مِنْ قَبْلُ) ، يرجع إلى أبي عامر يعني حارب الله ورسوله من قبل ، أي : من قبل بناء مسجد الضرار ، (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا) ، ما أردنا ببنائه ، (إِلَّا الْحُسْنى) ، إلا الفعلة الحسنى وهو الرفق بالمسلمين والتوسعة على أهل الضعف والعجز عن السير إلى مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) ، في قولهم (١) وحلفهم.
[١١١٥] وروي أنه لما انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم من تبوك ونزل بذي أوان موضع قريب من المدينة أتوه فسألوه إتيان مسجدهم فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم ، فنزل عليه القرآن وأخبره الله تعالى خبر مسجد الضرار وما همّوا به ، فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن السكن ووحشيا قاتل حمزة ، وقال لهم : «انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فاهدموه وأحرقوه» ، فخرجوا سريعا حتى أتوا بني سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم ، فقال مالك : أنظروني حتى أخرج إليكم بنار من أهلي فدخل أهله فأخذ سعافا (٢) من النخل وأشعل فيه نارا ، ثم خرجوا يشتدّون حتى دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدموه وتفرّق عنه أهله ، وأمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يتّخذ ذلك كناسة تلقى فيه الجيف والنتن والقمامة. ومات أبو عامر الراهب بالشام وحيدا فريدا غريبا.
وروي أن بني عمرو بن عوف الذين بنوا مسجد قباء أتوا عمر بن الخطاب في خلافته ليأذن لمجمع بن حارثة فيؤمّهم في مسجدهم ، فقال : لا ولا نعمت عين أليس بإمام مسجد الضرار؟ فقال له
__________________
(١) أي : أب لحنظلة الغسيل ، فحنظلة هو الملقب بغسيل الملائكة.
[١١١٥] ـ أخرجه الطبري ١٧٢٠٠ من طريق ابن إسحاق عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم ، وهذه مراسيل لكن بإسناد واحد. ولأصله شواهد ، وهو بهذا اللفظ ضعيف.
__________________
(١) في المخطوط «قبلهم».
(٢) في المخطوط «سعفا».