(وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) ، وهم السعاة الذين يتولّون قبض [الأموال من] الصدقات من أهلها ووضعها في حقها ، فيعطون من مال الصدقة فقراء كانوا أو أغنياء ، فيعطون مثل أجر عملهم. وقال الضحاك ومجاهد : لهم الثمن من الصدقة. (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) ، فالصنف الرابع من المستحقين للصدقة هم المؤلّفة قلوبهم ، وهم قسمان قسم مسلمون وقسم كفار ، فأمّا المسلمون فقسمان قسم دخلوا في الإسلام ونيّتهم ضعيفة فيه ، فكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يعطيهم تألّفا كما أعطى عيينة بن بدر (١) والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس السلمي ، وأسلموا ونيّتهم قوية في الإسلام وهم شرفاء في قومهم مثل عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر ، فكان يعطيهم تألّفا لقومهم وترغيبا لأمثالهم في الإسلام ، فهؤلاء يجوز للإمام أن يعطيهم من خمس خمس الغنيمة ، والفيء سهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يعطيهم من ذلك ولا يعطيهم من الصدقات. والقسم الثاني من مؤلفة المسلمين أن يكون قوم من المسلمين بإزاء قوم كفار في موضع متناء (٢) لا تبلغهم جيوش المسلمين إلا بمئونة كثيرة وهم لا يجاهدون ، إمّا لضعف نيّتهم أو لضعف حالهم ، فيجوز للإمام أن يعطيهم من سهم الغزاة من مال الصدقة. وقيل : من سهم المؤلّفة ومنهم قوم بإزاء جماعة من مانعي الزكاة يأخذون منهم الزكاة يحملونها إلى الإمام فيعطيهم الإمام من سهم المؤلّفة من الصدقات. وقيل : من سهم سبيل الله. روي أنّ عدي بن حاتم جاء إلى أبي بكر الصديق بثلاثمائة من الإبل من صدقات قومه فأعطاه أبو بكر منها ثلاثين بعيرا. وأمّا الكفار من المؤلفة فهو من يخشى شره (٣) منهم أو يرجى إسلامه ، فيريد الإمام أن يعطي هذا حذرا من شره أو يعطي ذلك ترغيبا له في الإسلام ، فقد كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يعطيهم من خمس الخمس ، كما أعطى صفوان بن أمية لما كان يرى من ميله إلى الإسلام ، وأما اليوم فقد أعزّ الله الإسلام فله الحمد وأغناه [عن](٤) أن يتألّف عليه رجال ، فلا يعطى مشرك تألفا بحال ، وقد قال بهذا كثير من أهل العلم : إن المؤلفة منقطعة وسهمهم ساقط. روي ذلك عن عمر (٥) ، وهو قول الشعبي ، وبه قال مالك والثوري وأصحاب الرأي ، وإسحاق بن راهويه ، وقال قوم : سهمهم ثابت ، يروى ذلك عن الحسن ، وهو قول الزهري وأبي جعفر محمد بن علي وأبي ثور ، وقال أحمد : يعطون إن احتاج المسلمون إلى ذلك.
قوله تعالى : (وَفِي الرِّقابِ) ، والصنف الخامس هم الرقاب وهم المكاتبون لهم سهم من الصدقة هذا قول أكثر الفقهاء ، وبه قال سعيد بن جبير والنخعي والزهري والليث بن سعد والشافعي. وقال جماعة : يشتري بسهم الرقاب عبيدا فيعتقون. وهذا قول الحسن ، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق. قوله تعالى : (وَالْغارِمِينَ) ، والصنف السادس : هم الغارمون وهم قسمان قسم أدانوا لأنفسهم في غير معصية (٦) فإنهم يعطون من الصدقة إذا لم يكن لهم من المال ما يفي بديونهم ، فإن كان عندهم وفاء فلا يعطون ، وقسم أدانوا في المعروف وإصلاح ذات البين فإنهم يعطون من مال الصدقة ما يقضون به ديونهم ، وإن كانوا أغنياء.
[١٠٨٣] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنبأنا زاهر بن أحمد أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن
__________________
[١٠٨٣] ـ صحيح ، رجاله رجال البخاري ومسلم ، لكنه مرسل.
وورد موصولا كما سيأتي ، أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر.
__________________
(١) في المخطوط «عيينة بن حصن».
(٢) في المخطوط «منقطع» والمعنى واحد.
(٣) في المطبوع «سرّه» والتصويب عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «عكرمة».
(٦) في المطبوع «معصيته» والمثبت عن المخطوط.