عكرمة أنه قال : الفقراء من المسلمين والمساكين من أهل الكتاب. وقال الشافعي : الفقير من لا مال له ولا حرفة تقع منه موقعا زمنا كان أو غير زمن ، والمسكين من كان له مال أو حرفة ولا يغنيه ، سائلا كان أو غير سائل ، فالمسكين عنده أحسن حالا من الفقير لأن الله تعالى قال : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ) [الكهف : ٧٩] ، أثبت لهم ملكا مع اسم المسكنة ، وعند أصحاب الرأي الفقير أحسن حالا من المسكين. وقال القتيبي : الفقير الذي له البلغة من العيش ، والمسكين الذي لا شيء له. وقيل : الفقير من له المسكن والخادم ، والمسكين من لا ملك له. وقالوا : كل محتاج إلى شيء فهو مفتقر إليه وإن كان غنيا عن غيره ، قال الله تعالى : (أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) [فاطر : ١٥] ، والمسكين المحتاج إلى كل شيء ألا ترى كيف حضّ على إطعامه ، وجعل طعام الكفارة له ولا فاقة أشدّ من الحاجة إلى سدّ الجوعة. وقال إبراهيم النخعي : الفقراء هم المهاجرون ، والمساكين من لم يهاجر (١) من المسلمين. وفي الجملة الفقر والمسكنة عبارة (٢) عن الحاجة وضعف الحال ، فالفقير المحتاج الذي كسرت الحاجة فقار ظهره ، والمسكين الذي ضعفت نفسه وسكنت عن الحركة في طلب القوت.
[١٠٨٠] أخبرنا عبد الوهّاب بن محمد الخطيب ثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا أبو العباس الأصم ثنا الربيع أنبأنا الشافعي أنبأنا سفيان بن عيينة عن هشام يعني ابن عروة عن أبيه عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أخبراه أنهما أتيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألاه عن الصدقة ، فصعّد فيهما وصوّب ، فقال : «إن شئتما أعطيتكما ولا حظّ فيها لغني ولا لذي قوة مكتسب».
واختلفوا في حدّ الغنى الذي يمنع أخذ الصدقة ، فقال الأكثرون : حدّه أن يكون عنده ما يكفيه وعياله سنة ، وهو قول مالك والشافعي. وقال أصحاب الرأي : حدّه أن يملك مائتي درهم. وقال قوم : من ملك خمسين درهما لا تحلّ له الصدقة.
[١٠٨١] لما روينا عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من سأل النّاس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح» ، قيل : يا رسول الله وما يغنيه؟ قال : «خمسون درهما أو قيمتها من الذهب».
وهو قول الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق ، وقالوا : لا يجوز أن يعطى الرجل من الزكاة أكثر من خمسين درهما. وقيل : أربعون درهما.
[١٠٨٢] لما روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا». قوله تعالى :
__________________
[١٠٨٠] ـ حديث صحيح ، الشافعي قد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
وهو في «شرح السنة» ١٥٩٢ بهذا الإسناد.
وفي «مسند الشافعي» (١ / ٢٤٢) عن ابن عيينة به.
وأخرجه أبو داود ١٦٣٣ والنسائي ٢٥٩٧ والدارقطني (٣ / ١١٩) وعبد الرزاق ٧١٥٤ وأحمد (٤ / ٢٢٤) و (٥ / ٣٦٢) من حديث عدي بن الخيار.
وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه أبو داود ١٦٣٤ والترمذي ٦٥٢ وعبد الرزاق ٧١٥٥ والطيالسي ٢٢٧١ والحاكم (١ / ٤٠٧) والدارقطني (٢ / ١١٨) والبيهقي (٧ / ١١٣) وحسنه الترمذي.
[١٠٨١] ـ تقدم في سورة البقرة آية : ٢٧٣.
[١٠٨٢] ـ تقدم في سورة البقرة آية : ٢٧٣.
__________________
(١) في المطبوع «يهاجروا» والمثبت عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «عبارتان» والمثبت عن المخطوط.