القرآن (بَصائِرُ) ، حجج وبيان وبرهان؟ (مِنْ رَبِّكُمْ) ، واحدتها بصيرة ، وأصلها ظهور الشيء واستحكامه حتى يبصره الإنسان ، فيهتدي به يقول : هذا دلائل تقودكم إلى الحق. (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
قوله عزوجل : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)) ، اختلفوا في سبب نزول هذه الآية ، فذهب جماعة إلى أنها في القراءة في الصلاة.
روي عن أبي هريرة أنّهم كانوا يتكلّمون في الصلاة بحوائجهم فأمروا بالسكوت والاستماع إلى قراءة القرآن.
وقال قوم : نزلت في ترك الجهر بالقراءة خلف الإمام. روى زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة قال : نزلت هذه الآية في رفع الأصوات وهم خلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الصلاة. وقال الكلبي : كانوا يرفعون أصواتهم في الصلاة حين يسمعون ذكر الجنّة والنار. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سمع ناسا يقرءون مع الإمام فلما انصرف قال : أما آن لكم أن تفقهوا وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا كما أمركم الله؟ وهذا قول الحسن والزهري والنخعي : أن الآية في القراءة في الصلاة. وقال سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد : إن الآية في الخطبة ، أمروا بالإنصات لخطبة الإمام يوم الجمعة. وقال سعيد بن جبير : هذا في الإنصات يوم الأضحى والفطر ويوم الجمعة ، وفيما يجهر به الإمام. وقال عمر بن عبد العزيز : الإنصات لقول كلّ واعظ. والأول أولاها ، وهو أنها في القراءة في الصلاة لأنّ الآية مكيّة والجمعة وجبت بالمدينة. واتفقوا على أنه مأمور بالإنصات حالة ما يخطب الإمام.
[٩٦٤] أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا أبو العباس الأصم ثنا الربيع ثنا الشافعي ثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة :
أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت».
واختلف أهل العلم في القراءة خلف الإمام في الصلاة فذهب جماعة إلى إيجابها سواء جهر الإمام بالقراءة أو أسرّ. روي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس ومعاذ ، وهو قول الأوزاعي والشافعي. وذهب قوم إلى أنه يقرأ فيما أسرّ الإمام فيه بالقراءة ولا يقرأ إذا جهر. يروى ذلك عن ابن عمرو وهو قول عروة بن الزبير والقاسم بن محمد ، وبه قال الزهري ومالك وابن المبارك وأحمد وإسحاق. وذهب قوم إلى أنه لا يقرأ سواء أسر الإمام أو جهر ، يروى ذلك عن جابر ، وبه قال الثوري وأصحاب الرأي ، وتمسّك (١)
__________________
[٩٦٤] ـ إسناده صحيح ، الشافعي ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجاله رجال البخاري ومسلم.
أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان ، الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
وهو في «شرح السنة» ١٠٧٥ بهذا الإسناد ، وهو في «الموطأ» (١ / ١٠٣) عن أبي الزناد به.
ومن طريق مالك أخرجه الشافعي (١ / ١٣٧) وأحمد (٢ / ٤٨٥) والدارمي (١ / ٣٦٤).
وأخرجه مسلم ٨٥١ وأحمد (٢ / ٢٤٤) والشافعي (١ / ١٣٧) وابن خزيمة ١٨٠٦ من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزناد به.
وأخرجه البخاري ٩٣٤ ومسلم ٨٥١ والترمذي ٥١٢ والنسائي (٣ / ١٠٣ و ١٠٤) وأحمد (٢ / ٢٧٢ و ٣٩٣ و ٣٩٦ و ٥١٨) وابن خزيمة ١٨٠٥ والدارمي (١ / ٣٦٤) وابن حبان ٢٧٩٣ من طرق عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة به.
__________________
(١) في المطبوع «يتمسك».