والناس يعيّروننا بها ، ادع الله أن يردّها إلى الحال التي كانت عليها ، فدعا الله فعادت كما كانت فذهبت فيها الدعوات كلها (١). والقولان الأولان أظهر.
وقال الحسن وابن كيسان : نزلت في منافقي أهل الكتاب الذين كانوا يعرفون النبيّ صلىاللهعليهوسلم كما يعرفون أبناءهم. وقال قتادة : هذا مثل ضربه الله عزوجل لمن عرض عليه الهدى فأبى أن يقبله ، فذلك قوله : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا). قال ابن عباس والسدي : اسم الله الأعظم. قال ابن زيد : كان لا يسأل الله شيئا إلّا أعطاه. وقال ابن عباس في رواية أخرى : أوتي كتابا من كتب الله فانسلخ ، أي : خرج منها كما تنسلخ الحية من جلدها. (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ) ، أي : لحقه وأدركه ، (فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ).
(وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦))
(وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) ، أي : رفعنا درجته ومنزلته بتلك الآيات. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لرفعناه بعلمه بها. وقال مجاهد وعطاء : لرفعنا عنه الكفر وعصمناه بالآيات. (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) ، أي : سكن إلى الدنيا ومال إليها. قال الزجاج : خلد وأخلد واحد. وأصله من الخلود وهو الدوام والمقام ، يقال : أخلد فلان بالمكان إذا أقام به ، والأرض هاهنا عبارة عن الدنيا لأن ما فيها من القفار والرباع كلها أرض وسائر متاعها مستخرج من الأرض. (وَاتَّبَعَ هَواهُ) ، انقاد لما دعاه إليه الهوى. قال ابن زيد : كان هواه مع القوم. قال عطاء : أراد الدنيا وأطاع شيطانه وهذه أشدّ آية على العلماء ، وذلك أن الله أخبر أنه آتاه آياته من اسمه الأعظم والدعوات المستجابة والعلم والحكمة ، فاستوجب بالسكون إلى الدنيا واتّباع الهوى تغيير النعمة عليه بالانسلاخ عنها ، ومن الذي يسلم من هاتين الخلّتين إلا من عصمه الله؟
[٩٥٢] أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة [أنا محمد بن أحمد بن الحارث](٢) أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن زكريّا بن أبي زائدة عن محمد بن عبد الرحمن بن أسعد (١) بن زرارة عن [ابن](٢) كعب بن مالك الأنصاري عن أبيه ، قال :
__________________
(١) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤٥٧ عن عكرمة عن ابن عباس بدون إسناد. فهو لا شيء ، وبكل حال مصدره كتب الأقدمين.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» و «شرح السنة».
[٩٥٢] ـ إسناده صحيح ، إبراهيم الخلال ثقة ، وقد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، ابن كعب بن مالك لم يسم ، وهو إما عبد الله أو عبد الرحمن وكلاهما ثقة من رجال الشيخين.
وهو في «شرح السنة» ٣٩٤٩ بهذا الإسناد ، وفي «زيادات الزهد لنعيم» ١٨١ عن زكريا بن أبي زائدة به.
وأخرجه الترمذي ٢٣٧٦ وأحمد (٣ / ٤٦٠) والدارمي (٢ / ٣٠٤) والطبراني في «الكبير» (١٩ / ١٨٩) من طريق عبد الله بن المبارك به.
وأخرجه ابن أبي شيبة (١٣ / ٢٤١) وأحمد (٣ / ٤٥٦) وابن حبان ٣٢٢٨ من طرق عن زكريا بن أبي زائدة به.
وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
__________________
(١) في المطبوع «سعد» وهو خطأ.
(٢) سقط من كافة النسخ.