ربضت به ، فنزل عنها فضربها حتى إذا أذلقها ، [قامت فركبها ، فلم تسر به كثيرا حتى ربضت ، ففعل بها مثل ذلك فقامت فركبها فلم تسر به كثيرا حتى ربضت ، وضربها حتى إذا أذلقها](١) أذن الله لها بالكلام فكلّمته حجّة عليه ، فقالت : ويحك يا بلعم أين تذهب ألا ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا؟ أتذهب بي إلى نبيّ الله والمؤمنين تدعو عليهم؟ فلم ينزع [ولم يصغ إلى [قولها] لحكمة أرادها الله به](٢) فخلّى الله سبيلها فانطلقت حتى إذا أشرفت [به] على جبل حسبان جعل يدعو عليهم ولا يدعو بشيء إلا صرف الله به لسانه إلى قومه ، ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف الله به لسانه إلى بني إسرائيل ، فقال له قومه : يا بلعم أتدري ما ذا تصنع إنما تدعو لهم وتدعو علينا؟! فقال : هذا ما لا أملكه ، هذا شيء قد غلب الله عليه فاندلع لسانه فوقع على صدره ، فقال لهم : قد ذهبت الآن مني الدنيا والآخرة ، فلم يبق إلا المكر والحيلة ، فسأمكر لكم وأحتال جملوا النساء وزيّنوهنّ وأعطوهنّ السلع ، ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيه ، ومروهنّ فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها ، فإنهم إن زنا رجل واحد منهم كفيتموهم ، ففعلوا فلما دخل النساء العسكر مرت امرأة من الكنعانيّين اسمها كسبي بنت صور برجل من عظماء بني إسرائيل يقال له زمري بن شلوم رأس سبط شمعون بن يعقوب ، فقال إليها فأخذ بيدها حين أعجبه جمالها ثم أقبل بها حتى وقف بها على موسى ، فقال : [يا موسى](٣) إني أظنك ستقول هذه حرام عليك؟ قال : أجل هي حرام عليك لا تقربها ، قال : فو الله لا أطيعك في هذا ، ثم دخل بها قبّته فوقع عليها ، فأرسل الله الطاعون على بني إسرائيل في الوقت ، وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى ، وكان رجلا قد أعطي بسطة في الخلق وقوّة في البطش ، وكان غائبا حين صنع زمري بن شلوم ما صنع ، فجاء والطاعون يجوس بني إسرائيل فأخبر الخبر فأخذ حربته وكانت من حديد كلها ، ثم دخل عليهما القبّة ، وهما متضاجعان فانتظمهما بحربته ، ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء والحربة قد أخذها بذراعه واعتمد بمرفقه على خاصرته ، وأسند الحربة إلى لحيته وكان بكر العيزار ، وجعل يقول : اللهمّ هكذا نفعل بمن يعصيك ورفع الطاعون ، فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون فيما بين أن أصاب زمري المرأة إلى أن قتله فنحاص ، فوجدوا قد هلك منهم سبعون ألفا في ساعة من النهار ، فمن هنالك يعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص من كل ذبيحة ذبحوها القبة والذراع واللحي لاعتماده بالحربة على خاصرته ، وأخذه إيّاها بذراعه ، وإسناده إياها إلى لحيته ، والبكر من كل أموالهم وأنفسهم ، لأنه كان بكر العيزار ، وفي بلعم أنزل الله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) الآية ، وقال مقاتل : إن ملك البلقاء قال لبلعام : ادع الله على موسى ، فقال : إنه من أهل ديني لا أدعو عليه ، فنحت خشبة ليصلبه فلما رأى ذلك خرج على أتان له ليدعو عليه ، فلما عاين عسكرهم قامت به الأتان ووقفت فضربها ، فقالت له : لم تضربني إني مأمورة وهذه نار أمامي قد منعتني أن أمشي فرجع فأخبر الملك ، [بما قالته الأتان ، فقال له : لتدعون عليه ، ولأصلبنه فدعى على موسى بالاسم الأعظم أن لا يدخل المدينة فاستجيب له ووقع موسى وبنو إسرائيل في التيه بالدعاية](٤) ، فقال موسى : يا رب بأيّ ذنب وقعنا في التّيه؟ فقال : بدعاء بلعام ، قال : فكما سمعت دعاءه عليّ فاسمع دعائي عليه ، فدعا موسى عليهالسلام أن ينزع عنه الاسم الأعظم والإيمان ، فنزع الله عنه المعرفة وسلخه منها فخرجت منه صورة كحمامة بيضاء ، فذلك قوله : (فَانْسَلَخَ مِنْها).
__________________
(١) سقط من المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوطتين.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) سقط من المطبوع.