وقيل : أحسنها الفرائض والنوافل ، وهي ما يستحق عليها الثواب وما دونها المباح لأنه لا يستحق عليه الثواب. وقيل : بأحسنها ، بأحسن الأمرين في كل شيء كالعفو أحسن من القصاص والصبر أحسن من الانتصار. (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) ، قال مجاهد : مصيرها (١) في الآخرة ، وقال الحسن وعطاء : يعني جهنم يحذركم أن تكونوا مثلهم.
وقال قتادة وغيره : سأدخلكم الشام فأريكم منازل القرون الماضية الذين خالفوا أمر الله لتعتبروا بها.
وقال عطية العوفي : أراد دار فرعون وقومه وهي مصر ، يدلّ عليه قراءة قسامة بن زهير : (سأورثكم دار الفاسقين). وقال السدي : دار الفاسقين مصارع الكفار. وقال الكلبي : ما مروا عليه إذا سافروا من منازل (٢) عاد وثمود والقرون الذين أهلكوا.
(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦))
قوله تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) ، قال ابن عباس : يريد الذين يتجبّرون على عبادي ويحاربون أوليائي حتى لا يؤمنوا بي ، يعني سأصرفهم عن قبول آياتي والتصديق بها عوقبوا بحرمان الهداية لعنادهم للحق ؛ كقوله : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف : ٥]. قال سفيان بن عيينة : سأمنعهم (٣) فهم القرآن. قال ابن جريج : يعني عن خلق السموات والأرض وما فيهما ، أي سأصرفهم أن يتفكّروا فيها ويعتبروا بها. وقيل : حكم الآية لأهل مصر خاصة ، وأراد بالآيات الآيات التسع التي أعطاها الله تعالى موسى. والأكثرون على أنّ الآية عامة ، (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا) ، يعني : هؤلاء المتكبّرين ، (سَبِيلَ الرُّشْدِ) ، قرأ حمزة والكسائي (الرُّشْدِ) بفتح الراء والشين ، والآخرون بضم الراء وسكون الشين وهما لغتان كالسّقم والسّقم والبخل والبخل والحزن والحزن. وكان أبو عمر يفرق بينهما ، فيقول : الرشد بالضم الصلاح في الأمر وبالفتح الاستقامة في الدين. ومعنى الآية : وإن يروا طريق الهدى والسداد ، (لا يَتَّخِذُوهُ) لأنفسهم (سَبِيلاً) ، (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِ) ، أي : طريق الضلال (يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) ، عن التفكّر فيها والاتّعاظ بها غافلين ساهين.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠))
__________________
(١) في المخطوط «مصيرهم».
(٢) في المخطوط «مصارع».
(٣) في المطبوع «ساء منعهم».