(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) ، أي : ولقاء الدار الآخرة التي هي موعد الثواب والعقاب ، (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) ، بطلت وصارت كأن لم تكن ، (هَلْ يُجْزَوْنَ) في العقبى (إِلَّا ما كانُوا) ، أي : إلا جزاء ما كانوا (يَعْمَلُونَ) في الدنيا.
قوله تعالى : (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ) ، أي : من بعد انطلاقه إلى الجبل (مِنْ حُلِيِّهِمْ) التي استعاروها من قوم فرعون. قرأ حمزة والكسائي (مِنْ حُلِيِّهِمْ) بكسر الحاء [وقرأ يعقوب بفتح الحاء](١) وسكون اللام ، خفيف ، اتّخذ السامريّ منها (عِجْلاً) ، وألقى في فمه من تراب أثر فرس جبريل فتحوّل عجلا ، (جَسَداً) ، حيا لحما ودما (لَهُ خُوارٌ) ، وهو صوت البقر وهذا قول ابن عباس والحسن وقتادة وجماعة أهل التفسير. وقيل : كان جسدا مجسدا من ذهب لا روح فيه ، كان يسمع منه صوت. وقيل : كان يسمع صوت هفيف (٢) الريح يدخل في جوفه ويخرج. والأول أصح. وقيل : إنه ما خار إلا مرة واحدة.
وقيل : إنه كان يخور كثيرا فكلّما خار سجدوا له فإذا سكت رفعوا رءوسهم. وقال وهب : كان يسمع منه الخوار وهو لا يتحرّك. وقال السدي : كان يخور ويمشي ، (أَلَمْ يَرَوْا) ، يعني : الذين عبدوا العجل (أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً). قال الله عزوجل : (اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ) ، [أي : اتّخذوه إلها وكانوا كافرين](٣).
(وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) ، أي : ندموا على عبادة العجل ، تقول العرب لكل نادم على أمر : قد سقط في يديه ، (وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا) ، يتب علينا ربنا ، (وَيَغْفِرْ لَنا) ، يتجاوز عنا ، (لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) ، قرأ حمزة والكسائي : ترحمنا وتغفر لنا بالتاء فيهما ، (رَبُّنا) بنصب الباء. وكان هذا الندم والاستغفار منهم بعد رجوع موسى إليهم.
قوله تعالى : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) ، قال أبو الدرداء : الأسف : الشديد الغضب (٤). وقال ابن عباس والسدي : أسفا أي حزينا. والأسف أشدّ الحزن. (قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي) ، أي : بئس ما عملتم بعد ذهابي ، يقال : خلفه بخير أو بشرّ إذا أولاه في أهله بعد شخوصه عنهم خيرا أو شرا ، (أَعَجِلْتُمْ) ، أسبقتم (أَمْرَ رَبِّكُمْ) ، قال الحسن : وعد ربكم الذي وعدكم من الأربعين ليلة.
وقال الكلبي : أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم. (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) ، التي فيها التوراة وكان حاملا لها ، فألقاها على الأرض من شدّة الغضب.
قالت الرواة : كانت التوراة سبعة أسباع فلما ألقى الألواح تكسّرت فرفعت ستة أسباعها وبقي سبع ، فرفع ما كان من أخبار الغيب وبقي ما فيه الموعظة والأحكام والحلال والحرام ، (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ) ، بذوائبه ولحيته (يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) ، وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين وأحب إلى بني إسرائيل من موسى ، لأنه كان لين الغضب. (قالَ) هارون عند ذلك ، (ابْنَ أُمَ) ، قرأ أهل الكوفة والشام هاهنا وفي طه [٩٤] بكسر الميم ، يريد : يا ابن أمي فحذف ياء الإضافة وأبقيت الكسرة لتدلّ على الإضافة ؛ كقوله : (يا عِبادِ) [الزمر : ١٠ ـ ١٦] ، وقرأ أهل الحجاز والبصرة وحفص بفتح الميم على معنى يا ابن أماه. وقيل : جعله اسما واحدا وبناه على الفتح ، كقولهم : حضرموت وخمسة عشر ونحوهما ، وإنما قال ابن أمّ
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «حفيف».
(٣) زيد في المطبوع وط.
(٤) في المخطوط «الحزن».