تلك المدة جوع [يوم](١) أو حمى ليلة أو وجع ساعة لما ادّعى الربوبية قط. قال الله تعالى : (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) ، نصيبهم من الخصب والجدب والخير والشر كله من الله. وقال ابن عباس : طائرهم ما قضى الله عليهم وقدّر لهم ، وفي رواية عنه : شؤمهم عند الله ومن قبل الله ، أي : إنّما جاءهم الشؤم بكفرهم بالله. وقيل : معناه الشؤم العظيم هو الذي لهم عند الله من عذاب النار ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ، أن الذي أصابهم من الله.
(وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣))
(وَقالُوا) ، يعني : القبط لموسى ، (مَهْما) متى ، ما كلمة تستعمل للشرط والجزاء ، (تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) ، علامة ، (لِتَسْحَرَنا بِها) ، لتنقلنا عمّا نحن عليه من الدين ، (فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) ، بمصدّقين.
(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ) ، قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة ومحمد بن إسحاق دخل كلام بعضهم في بعض : لمّا آمنت السحرة ورجع فرعون مغلوبا أبى هو وقومه إلّا الإقامة على الكفر والتمادي في الشرّ ، فتابع الله عليهم الآيات وأخذهم بالسنين ونقص من الثمرات ، فلما عالج (٢) بالآيات الأربع : العصا واليد والسنين ونقص الثمار ، فأبوا أن يؤمنوا فدعا عليهم ، فقال : يا رب [عبدك](٣) فرعون علا في الأرض وطغى وعتا وإن قومه قد نقضوا عهدك ، ربّ فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ولقومي عظة ولمن بعدهم آية وعبرة ، فبعث الله عليهم الطوفان ، وهو الماء أرسل الله عليهم السماء (٤) وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة مختلطة ، فامتلأت بيوت القبط [ماء] حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم من جلس منهم غرق ولم يدخل بيوت بني إسرائيل قطرة من الماء ، وركد الماء على أرضهم لا يقدرون أن يحرثوا ولا يعملوا شيئا ، ودام ذلك عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت. وقال مجاهد وعطاء : الطوفان الموت. وقال وهب : الطوفان الطاعون بلغة اليمن. وقال أبو قلابة : الطوفان الجدري ، وهم أول من عذّب به فبقي في الأرض. وقال مقاتل : الطوفان الماء طغى فوق حروثهم. وروي عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : الطوفان أمر من الله أطاف بهم ، ثم قرأ : (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩)) [القلم : ١٩] ، قال نحاة الكوفة : الطوفان مصدر لا يجمع كالرجحان والنقصان. وقال أهل البصرة : هو جمع واحدها طوفانة.
فقالوا لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنا المطر فنؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربّه فرفع عنهم الطوفان ، فأنبت الله لهم في تلك السنة شيء لم ينبته لهم قبل ذلك من الكلأ والزرع والثمر وخصبت بلادهم ، فقالوا : ما كان هذا الماء إلا نعمة علينا وخصبا ، فلم يؤمنوا فأقاموا شهرا في عافية ، فبعث الله عليهم الجراد فأكل عامة زروعهم وثمارهم وأوراق الشجر حتى كان يأكل الأبواب وسقوف البيوت والخشب والثياب والأمتعة ومسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ، وابتلى الجراد بالجوع ، فكان لا يشبع ولم يصب بني إسرائيل شيء من ذلك فعجوا وضجّوا ، وقالوا : يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك وأعطوه عهد الله وميثاقه ، فدعا موسى عليهالسلام ربه
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيد في المطبوع وط «منهم».
(٣) زيد في المطبوع وط ، والطبري.
(٤) في المطبوع «الماء».