الآخرون بالتشديد من التقتيل على التكثير (١) ، (وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) ، نتركهن أحياء ، (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) ، غالبون. قال ابن عباس : كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل في العام الذي قيل له أنه يولد مولود يذهب بملكك ، فلم يزل يقتلهم حتى أتاهم موسى بالرسالة ، وكان من أمره ما كان فقال فرعون : أعيدوا عليهم القتل فأعادوا عليهم القتل ، فشكت ذلك بنو إسرائيل [إلى موسى](٢).
(قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ) ، يعني : أرض مصر ، (يُورِثُها) يعطيها ، (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ، النصر والظفر. وقيل : السعادة والشهادة. وقيل : الجنّة.
(قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩) وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١))
(قالُوا أُوذِينا) ، قال ابن عباس : لمّا آمنت السحرة اتّبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل ، فقالوا يعني قوم موسى : إنا أوذينا (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا) ، بالرسالة بقتل الأبناء ، (وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) ، بإعادة القتل علينا. وقيل : المراد منه أن فرعون كان يستسخرهم قبل مجيء موسى إلى نصف النهار ، فلما جاء موسى استسخرهم جميع النهار بلا أجر. وذكر الكلبي أنهم كانوا يضربون له اللبن بتبن (٣) فرعون ، فلما جاء موسى أجبرهم أن يضربوه بتبن من عندهم. (قالَ) موسى : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) فرعون ، (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) ، أي : ويسكنكم أرض مصر من بعدهم ، (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) ، فحقق الله [ذلك](٤) فأغرق فرعون واستخلفهم في ديارهم وأموالهم فعبدوا العجل.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ) ، أي : بالجدب والقحط. تقول العرب : مسّتهم السنة ، أي : جدب السنة وشدّة السنة. وقيل : أراد بالسنين القحط سنة بعد سنة ، (وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) [بإتلاف](٥) الغلات بالآفات والعاهات. قال قتادة : أمّا السنين فلأهل البوادي ، وأمّا نقص الثمرات فلأهل الأمصار ، (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) ، أي : يتّعظون ، وذلك لأن الشدّة ترفق القلوب وترغبها فيما عند الله عزوجل.
(فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ) ، يعني : الخصب والسعة والعافية ، (قالُوا لَنا هذِهِ) ، أي : نحن أهلها ومستحقّوها على العادة التي جرت لنا في سعة أرزاقنا ولم يروها تفضّلا من الله عزوجل فيشكروا عليها ، (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) ، جدب وبلاء ورأوا ما يكرهون ، (يَطَّيَّرُوا) يتشاءموا ، (بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) ، وقالوا : ما أصابنا بلاء حتى رأيناهم ، فهذا من شؤم موسى وقومه. وقال سعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر : وكان ملك فرعون أربعمائة سنة وعاش ستمائة وعشرين سنة لا يرى مكروها ، ولو كان له في
__________________
(١) في المطبوع «الكثير».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «بطين».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.