(وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ، أي : في الآخرة ، وقيل : القتل والأسر في الدنيا والعذاب الدائم في العقبى ، والعذاب : كل ما يعيي (١) الإنسان ويشقّ عليه ، قال الخليل [بن أحمد] : العذاب ما يمنع الإنسان عن مراده ، ومنه الماء العذب لأنه يمنع العطش.
قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) : نزلت في المنافقين عبد الله بن أبي ابن (١) سلول ومعتب بن قشير وجد بن قيس وأصحابهم ، حيث أظهروا كلمة الإسلام ليسلموا من النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، واعتقدوا خلافها ، وأكثرهم من اليهود ، والناس : جمع إنسان ، سمّي به لأنه عهد إليه فنسي ، كما قال الله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) [طه : ١١٥] ، وقيل : لظهوره من قولهم [أنست](٢) ، أي : أبصرت ، وقيل : لأنه يستأنس به ، (وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، أي : بيوم القيامة ، قال الله تعالى : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ).
(يُخادِعُونَ اللهَ) ، أي : يخالفون الله ، وأصل الخداع (٣) في اللغة الإخفاء ، ومنه المخدع للبيت الذي يخفى فيه المتاع ، والمخادع يظهر خلاف ما يضمر ، والخداع (٣) من الله في قوله : (وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢] ، أي : يظهر لهم ويعجل لهم من النعيم في الدنيا خلاف ما يغيب عنهم من عذاب الآخرة ، وقيل : أصل الخداع (٣) : الفساد. [معناه : يفسدون ما أظهروا من الإيمان بما أضمروا من الكفر](٤) ، وقوله : (وَهُوَ خادِعُهُمْ) ، أي : يفسد عليهم نعيمهم في الدنيا بما يصيرهم إليه من عذاب الآخرة ، فإن قيل : ما معنى قوله : (يُخادِعُونَ اللهَ) ، والمفاعلة للمشاركة وقد جلّ الله تعالى عن المشاركة في المخادعة؟ قيل : قد ترد المفاعلة لا على معنى المشاركة كقولك : عافاك الله وعاقبت (٥) فلانا وطارقت النعل.
وقال الحسن : معناه يخادعون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ كما قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ) [الأحزاب : ٥٧] ، أي : أولياء الله ، وقيل : ذكر الله هاهنا (٦) تحسين ، والقصد بالمخادعة الذين آمنوا ، كقوله تعالى : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) [الأنفال : ٤١] ، وقيل : معناه يفعلون في دين الله ما هو خداع في دينهم. (وَالَّذِينَ آمَنُوا) ، أي : ويخادعون المؤمنين بقولهم إذا رأوهم آمنّا وهم غير مؤمنين ، (وَما يَخْدَعُونَ). قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو : «وما يخادعون» (٢) كالحرف الأول وجعلوه من المفاعلة التي تختص (٧) بالواحد ، وقرأ الباقون (وَما يَخْدَعُونَ) على الأصل (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) ، لأن وبال خداعهم راجع إليهم لأن الله يطلع (٨) نبيّه صلىاللهعليهوسلم على نفاقهم فيفتضحون في الدنيا ويستوجبون العقاب في العقبى ، (وَما يَشْعُرُونَ) ، أي : لا يعلمون أنهم يخدعون أنفسهم وأن وبال خداعهم يعود عليهم (٩).
__________________
(١) تثبت ألف ـ ابن ـ إن وقع بين علمين ، لكن أحدهما هاهنا مذكر والثاني مؤنث وسلول جدة أبي. وقد ثبتت الألف في القرآن الكريم في «عيسى ابن مريم» فتنبه ، والله الموفق.
(٢) وقع في الأصل «يخدعون» والتصويب من «م» و «كتب القراءات».
__________________
(١) في المطبوع «يعني».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) ـ في المخطوط «الخدع».
(٤) العبارة في المخطوط [معناه : ما يفسدون من ظهور الإيمان وإضمار الكفر].
(٥) في المطبوع «وعافيت».
(٦) في المخطوط «هنا».
(٧) في المطبوع «يختص».
(٨) في المخطوط «أطلع».
(٩) في المخطوط «إليهم».