قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) : يعني مشركي العرب ، قال الكلبي : يعني اليهود. والكفر هو (١) الجحود ، وأصله : من الستر ومنه : سمي الليل كافرا لأنه يستر الأشياء بظلمته.
وسمي الزّراع كافرا لأنه يستر الحب بالتراب ، والكافر (٢) يستر الحق بجحوده ، والكفر على أربعة أنحاء : كفر إنكار ، وكفر جحود ، وكفر عناد ، وكفر نفاق ، فكفر الإنكار هو أن لا يعرف الله أصلا ولا يعترف به (٣) ، وكفر الجحود هو أن (٤) يعرف الله بقلبه ولا يعترف بلسانه ككفر إبليس [لعنه الله](٥) وكفر اليهود (٦) ، قال الله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) [البقرة : ٨٩] ، وكفر العناد هو أن يعرف الله بقلبه ويعترف بلسانه ولا يدين به ؛ ككفر أبي طالب حيث يقول :
ولقد علمت بأن دين محمد |
|
من خير أديان البرية دينا |
لو لا الملامة أو حذار مسبة |
|
لوجدتني سمحا بذاك مبينا |
وأما كفر النفاق فهو أن يقرّ باللسان ولا يعتقد بالقلب ، وجميع هذه الأنواع سواء في أن من لقي الله تعالى بواحد منها لا يغفر له. قوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ) : متساو لديهم (أَأَنْذَرْتَهُمْ) : خوّفتهم وحذّرتهم ، والإنذار : إعلام مع تخويف وتحذير ، فكل منذر معلم وليس كل معلم منذرا ، وحقق (٧) ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي الهمزتين في (أَأَنْذَرْتَهُمْ) ، وكذلك كل همزتين تقعان في أول الكلمة ، والآخرون يلينون الثانية ، (أَمْ) : حرف عطف على الاستفهام ، (لَمْ) : حرف جزم لا يلي إلا الفعل ، لأن الجزم يختص بالأفعال. (تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) : وهذه الآية [نزلت](٨) في أقوام حقّت عليهم كلمة الشقاوة في سابق علم الله ، ثم ذكر سبب تركهم الإيمان فقال :
(خَتَمَ اللهُ) ، أي : طبع الله (عَلى قُلُوبِهِمْ) فلا تعني خيرا ولا تفهمه ، وحقيقة الختم : الاستيثاق من الشيء كيلا يدخله ما خرج منه ولا يخرج عنه ما فيه ومنه الختم على الباب ، قال أهل السنة أي : حكم على قلوبهم بالكفر لما سبق من علمه الأوّل فيهم ، وقال المعتزلة : جعل على قلوبهم علامة تعرفهم الملائكة بها ، (وَعَلى سَمْعِهِمْ) ، أي : على موضع سمعهم فلا يسمعون الحق ولا ينتفعون به ، وأراد على أسماعهم كما قال على قلوبهم ، وإنما وحده لأنه مصدر والمصدر لا يثنى ولا يجمع. (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) : هذا ابتداء كلام ، غشاوة أي : غطاء فلا يرون الحق.
وقرأ أبو عمرو [وحمزة](٩) والكسائي : (أَبْصارِهِمْ) بالإمالة وكذلك كل ألف بعدها راء مجرورة في الأسماء كانت لام الفعل يميلانها (١٠) ، ويميل حمزة منها [ما يتكرر](١١) فيه الراء «كالقرار» ونحوه ، زاد الكسائي إمالة (جبارين ، والجوار ، [والجار وبارئكم](١٢) ومن أنصاري ، ونسارع) وبابه ، وكذلك يميل هؤلاء كل ألف [هي](١٣) بمنزلة لام الفعل أو كان علما للتأنيث إذا كان قبلها راء ، فعلم التأنيث مثل : (الكبرى ، والأخرى) ، ولام الفعل مثل : (ترى ، وفترى) ، يكسرون الراء منها (١٤).
__________________
(١) في المطبوع «عن».
(٢) في المطبوع «فالكافر».
(٣) زيد في المطبوع «وكفر به».
(٤) زيد في المطبوع : لا.
(٥) سقط من المطبوع.
(٦) سقط من المخطوط.
(٧) في المطبوع : «خقق».
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) زيادة عن المخطوط.
(١٠) في المخطوط «يميلانه».
(١١) العبارة في المطبوع «ما».
(١٢) ما بين المعقوفتين في المطبوع «مأواكم».
(١٣) سقط في المطبوع.
(١٤) في المخطوط «فيها».