حكما عدلا يكسر الصّليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، ويهلك في زمانه الملل كلّها إلّا الإسلام ، ويقتل الدّجال فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفّى ويصلّي عليه المسلمون» ، وقال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ، قبل موت عيسى ابن مريم ، ثم يعيدها أبو هريرة ثلاث مرات.
وروي عن عكرمة : أنّ الهاء في قوله (لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ) كناية عن محمد صلىاللهعليهوسلم يقول : لا يموت كتابي حتى يؤمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : هي راجعة إلى الله عزوجل يقول : وإنّ من أهل الكتاب إلّا ليؤمنن بالله عزوجل ، قبل موته عند المعاينة حين لا ينفعه إيمانه. قوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ) ، يعني : عيسى عليهالسلام ، (عَلَيْهِمْ شَهِيداً) أنّه قد بلّغهم رسالة ربه ، وأقرّ بالعبودية على نفسه ، كما قال تعالى مخبرا عنه (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) [المائدة : ١١٧] وكل نبي شاهد على أمته قال الله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١)) [النساء : ٤١].
قوله عزوجل : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) ، وهو ما تقدم ذكره من نقضهم الميثاق وكفرهم بآيات الله وبهتانهم على مريم ، وقولهم : إنّا قتلنا المسيح (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) ، وهي ما ذكر في سورة الأنعام ، فقال : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) ، ونظم الآية : فبظلم من الذين هادوا وهو ما ذكرنا ، (وَبِصَدِّهِمْ) ، وبصرفهم أنفسهم وغيرهم ، (عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) ، أي : عن دين الله صدا كثيرا.
(وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢))
(وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) ، في التوراة (وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) ، من الرشا في الحكم ، والمآكل التي يصيبونها من عوامّهم ، عاقبناهم بأن حرّمنا عليهم طيبات ، فكانوا كلّما ارتكبوا كبيرة حرّم عليهم شيء من الطيبات التي كانت حلالا لهم ، قال الله تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) [الأنعام : ١٤٦] ، (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً).
(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) ، يعني : ليس كل أهل الكتاب بهذه الصفة ، (لكِنِ الرَّاسِخُونَ)
__________________
الجزية ، ويهلك الله في زمانه الملل كلّها إلا الإسلام ، ويهلك المسيح الدجال ، وتقع الأسنة في الأرض ، حتى ترتع الأسد مع الإبل ، والنمار مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، ويلعب الصبيان بالحيات ، لا تضرهم ، فيمكث في الأرض أربعين سنة ، ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون صلوات الله عليه» ، صححه الحاكم ٢ / ٥٩٥ ووافقه الذهبي ؛ وإسناده حسن ، فيه عبد الرحمن بن آدم صدوق روى له مسلم ، وباقي الإسناد على شرطهما. وليس فيه «وقال أبو هريرة : اقرءوا ....».
ـ وورد مختصرا إلى قوله «ويفيض حتى لا يقبله أحد» عند البخاري ٢٢٢٢ و ٢٤٧٦ و ٣٤٤٨ ومسلم ١٥٥ والترمذي ٢٢٣٣ وعبد الرزاق ٢٠٨٤٠ وابن ماجه ٤٠٧٨ وأحمد ٢ / ٢٤٠ و ٥٣٧ وابن حبان ٦٨١٦ و ٦٨١٨ وابن مندة في «الإيمان» (٤٠٧) والطحاوي في «المشكل» (١٠٣ و ١٠٤) وأبو القاسم في البغوي في «الجعديات» (٢٩٧٣) والبغوي في «شرح السنة» (٤١٧٠).