أي : في قتله ، قال الكلبي : اختلافهم فيه هو أن اليهود قالت نحن قتلناه ، وقالت طائفة من النصارى نحن قتلناه ، وقالت طائفة منهم ما قتله هؤلاء ولا هؤلاء بل رفعه الله إلى السماء ، ونحن ننظر إليه ، وقيل : كان الله تعالى ألقى شبه عيسى عليهالسلام على وجه سيطانوس (١) ولم يلقه على جسده ، فاختلفوا فيه فقال بعضهم : [قتلنا عيسى ، فإن الوجه وجه عيسى عليهالسلام وقال بعضهم](٢) : لم نقتله لأن جسده ليس جسد عيسى عليهالسلام ، فاختلفوا. قال السدي : اختلافهم من حيث أنّهم قالوا : إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟ وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ قال الله تعالى : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) ، من حقيقة أنه قتل أو لم يقتل ، (إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) ، لكنهم يتبعون الظنّ في قتله. قال الله جلّ جلاله : (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) ، أي : ما قتلوا عيسى يقينا.
(بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) ، وقيل قوله (يَقِيناً) يرجع إلى ما بعده وقوله (وَما قَتَلُوهُ) كلام تام تقديره : بل رفعه الله إليه يقينا ، والهاء في (وَما قَتَلُوهُ) كناية عن عيسى عليهالسلام ، وقال الفراء رحمهالله : معناه وما قتلوا الذين ظنوا أنه عيسى يقينا ، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما معناه : وما قتلوا ظنهم يقينا [بل رفعه الله يقينا](٣) ، (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) منيعا بالنقمة من اليهود ، (حَكِيماً) حكم باللعنة والغضب عليهم ، فسلّط عليهم ينطيونس بن إسبسيانوس الرومي فقتل منهم مقتلة عظيمة.
(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً (١٦٠))
قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ، أي : وما من أهل الكتاب إلّا ليؤمننّ بعيسى عليهالسلام ، وهو قول أكثر المفسرين وأهل العلم ، وقوله (قَبْلَ مَوْتِهِ) اختلفوا في هذه الكناية ، فقال عكرمة ومجاهد والضحاك والسدي : إنها كناية عن الكتابي ، ومعناه : وما من أهل الكتاب أحد إلّا ليؤمننّ بعيسى عليهالسلام قبل موته ، إذا وقع في اليأس حين لا ينفعه إيمانه سواء احترق أو غرق أو تردّى في بئر أو سقط عليه جدار أو أكله سبع أو مات فجأة ، وهذه رواية علي بن [أبي](٣) طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهم. قال : فقيل لابن عباس رضي الله عنهما : أرأيت أن من خرّ من فوق بيت؟ قال : يتكلم به في الهواء قال : فقيل أرأيت إن ضرب عنق أحدهم؟ قال : يتلجلج بها (٥) لسانه ، وذهب قوم إلى أن الهاء في (مَوْتِهِ) كناية عن عيسى عليهالسلام ، معناه : وإنّ من أهل الكتاب إلّا ليؤمننّ بعيسى قبل موت عيسى عليهالسلام ، وذلك عند نزوله من السماء في آخر الزمان فلا يبقى أحد إلّا آمن به حتى تكون الملة واحدة ، ملّة الإسلام.
ع [٧٣٠] وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يوشك أن ينزل فيكم [عيسى] ابن مريم
__________________
ع [٧٣٠] ـ حسن. أخرجه أبو داود ٤٣٢٤ وابن حبان ٦٨١٤ و ٦٨٢١ وأحمد ٢ / ٤٠٦ و ٤٣٧ والطبري ٧١٤٥ و ١٠٨٣٥ من حديث أبي هريرة. «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : الأنبياء كلهم إخوة لعلّات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ، إنه ليس بيني وبينه نبيّ ، وإنه نازل إذا رأيتموه فاعرفوه : رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصّرين ، كأن رأسه يقطر ، وإن لم يصبه بلل ، فيقاتل الناس على الإسلام ، فيدق الصليب ، ويقتل الخنزير ، يضع
__________________
(١) في المطبوع «صطياقوس».
(٢) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) في المطبوع «به».