إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) ، هذا قول أكثر المفسرين (١) يدل على صحة [هذا](٢) التأويل وأن المراد بالإناث الأوثان قراءة ابن عباس رضي الله عنه «إن يدعون من دونه إلّا أثنا» ، جمع الوثن فصيّر الواو همزة ، وقال الحسن وقتادة (إِلَّا إِناثاً) أي : مواتا لا روح فيه ، لأن أصنامهم كانت من الجمادات (٣) سماها إناثا لأنه يخبر عن الموات ، كما يخبر عن الإناث ، ولأن الإناث أدون الجنسين كما أن الموات أرذل من الحيوان ، وقال الضحاك : أراد بالإناث الملائكة ، [وكان بعضهم](٤) يعبدون الملائكة ويقولون : الملائكة إناث ، كما قال الله تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩](وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) [أي : وما يعبدون إلّا شيطانا مريدا](٥) لأنهم إذا عبدوا الأصنام فقد أطاعوا الشيطان ، والمريد : المارد ، وهو المتمرد العاتي الخارج عن الطاعة ، وأراد : إبليس.
(لَعَنَهُ اللهُ) ، أي : أبعده من رحمته ، (وَقالَ) ، يعني : قال إبليس ، (لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) ، أي : حظا (٦) معلوما ، فما أطيع فيه إبليس فهو مفروضه ، وفي بعض التفاسير : من كل ألف واحد لله تعالى وتسعمائة وتسعة وتسعون لإبليس ، وأصل الفرض في اللغة : القطع ، ومنه الفرضة في النهر وهي الثلمة تكون فيه ، وفرض القوس والشرك : للشّقّ الذي يكون فيه الوتر والخيط الذي يشد به الشراك (٧).
(وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) يعني : عن الحق ، أي : لأغوينهم ، يقوله إبليس ، وأراد به التزيين ، وإلّا فليس إليه من الإضلال شيء كما قال : (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) [الحجر : ٣٩](وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ) ، قيل : أمنّينّهم ركوب الأهواء ، وقيل : أمنّينّهم أن لا جنّة ولا نار ولا بعث ، وقيل : أمنّينّهم إدراك الآخرة مع ركوب المعاصي ، (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما والحسن ومجاهد وقتادة وسعيد بن المسيب والضحاك : يعني دين الله ، نظيره قوله تعالى : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) [الروم : ٣٠] أي : لدين الله ، يريد وضع الله في الدين بتحليل الحرام وتحريم الحلال ، وقال عكرمة وجماعة من المفسرين : فليغيرنّ خلق الله بالخصاء والوشم وقطع الآذان حتى حرّم بعضهم الخصاء وجوزه بعضهم في البهائم ، لأن فيه غرضا ظاهرا ، وقيل : تغيير خلق الله هو أن الله تعالى خلق الأنعام للركوب والأكل فحرموها ، وخلق الشمس والقمر والأحجار لمنفعة العباد فعبدوها من دون الله ، (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ) أي : ربّا يطيعه ، (فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً).
(يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢٠) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً (١٢٢) لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٢٣))
__________________
(١) تصحف في المخطوط «المشركين».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «جمادات» بدون «من».
(٤) في المخطوط «كانوا» والمثبت أقرب للواقع ، إذ ليس كل العرب تقول بأنوثة الملائكة أو تعبدهم.
(٥) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٦) في المطبوع «حقا».
(٧) في المخطوط «السواك».