خاف على نفسه من قطع اليد والفضيحة ، فهرب إلى مكة وارتد عن الدين (١) ، فقال تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ) ، أي : يخالفه ، (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) ، من التوحيد والحدود ، (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) ، أي : غير طريق المؤمنين ، (نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) ، أي : نكله في الآخرة إلى ما تولّى في الدنيا ، (وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً).
روي أن طعمة بن أبيرق نزل على رجل من بني سليم (١) من أهل مكة يقال له الحجاج بن علاط ، فنقب بيته فسقط عليه حجر فلم يستطع أن يدخل ولا أن يخرج حتى أصبح ، فأخذ ليقتل ، فقال بعضهم : دعوه فإنه قد لجأ إليكم فتركوه فأخرجوه من مكة ، فخرج مع تجار من قضاعة نحو الشام ، فنزلوا منزلا فسرق بعض متاعهم وهرب ، فطلبوه وأخذوه ورموه بالحجارة حتى قتلوه ، فصار قبره تلك الحجارة ، وقيل : إنه ركب سفينة إلى جدة فسرق فيها كيسا فيه دنانير فأخذ (١) ، فألقي في البحر ، وقيل : إنه نزل في حرّة بني سليم وكان يعبد صنما إلى أن مات فأنزل الله تعالى فيه :
(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦)) أي : ذهب عن الطريق وحرم الخير كله.
ع [٧١٦] وقال الضحاك ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : إنّ هذه الآية نزلت في شيخ من الأعراب جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا نبيّ الله إني شيخ منهمك في الذنوب ، إلّا أني لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته وآمنت به ، ولم أتّخذ من دونه وليّا ولم أواقع المعاصي جرأة على الله ، وما توهمت طرفة عين أني أعجز الله هربا وإنّي لنادم تائب مستغفر فما (٢) حالي؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
(إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩))
قوله تعالى : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) ، نزلت في أهل مكة ، أي : ما يعبدون ، كقوله تعالى (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي) [غافر : ٦٠] أي : اعبدوني ، بدليل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) [غافر : ٦٠] ، قوله : (مِنْ دُونِهِ) أي : من دون الله ، (إِلَّا إِناثاً) أراد بالإناث الأوثان لأنهم كانوا يسمونها باسم الإناث ، فيقولون : اللّات والعزى ومناة ، وكانوا يقولون لصنم كل قبيلة : أنثى بني فلان فكان في كل واحدة منهن شيطان يتراءى للسدنة والكهنة ويكلمهم ، فلذلك قال : (وَإِنْ يَدْعُونَ
__________________
(١) انظر ما تقدم برقم : ٧٠٠.
ع [٧١٦] ـ واه بمرة. عزاه الشوكاني في «فتح القدير» (١ / ٥٩٥) للثعلبي ، وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١ / ٥٦٦) : هو منقطع ا ه.
قلت : والثعلبي يروي الموضوعات. والضحاك لم يلق ابن عباس ، وعامة روايات الضحاك إنما هي من طريق جويبر بن سعيد ذاك المتروك ، ويجتنب أهل التفسير ذكره بسبب وضوح حاله ، فالخبر واه بمرة.
__________________
(١) في المطبوع «فأخذه».
(٢) في المطبوع «فما ذا».