وحمل الدرع إلى بيته ، فلما أصبح صاحب الدرع جاء على أثر النخالة إلى دار زيد السمين فأخذه وحمله إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فهمّ النبي صلىاللهعليهوسلم أن يقطع يد زيد اليهودي.
وقال مقاتل : إنّ زيدا السمين أودع درعا عند طعمة فجحدها طعمة فأنزل الله تعالى هذه الآية فقال : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) بالأمر والنهي والفصل ، (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) بما علّمك الله وأوحى إليك ، (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ) [وهو](١) طعمة ، (خَصِيماً) ، معينا مدافعا عنه.
(وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) ، مما هممت به من معاقبة اليهودي ، وقال مقاتل : واستغفر الله من جدالك عن طعمة (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً).
(وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠))
(وَلا تُجادِلْ) لا تخاصم (عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) ، أي : يظلمون أنفسهم بالخيانة والسرقة ، (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً) ، خائنا ، (أَثِيماً) [يريد خوانا في](٢) الدرع ، أثيما في رميه اليهودي ، قيل : إنه خطاب مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، والمراد به غيره ، كقوله تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) [يونس : ٩٤] ، والاستغفار في حق الأنبياء بعد النبوة على أحد الوجوه الثلاثة : إمّا لذنب تقدم قبل (٣) النبوة أو لذنوب أمته وقرابته ، أو لمباح جاء الشرع بتحريمه فيتركه بالاستغفار ، فالاستغفار يكون معناه السمع والطاعة لحكم الشرع.
(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) ، أي : يستترون ويستحيون من الناس ، يريد بني ظفر بن الحارث ، (وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ) أي : لا يستترون ولا يستحيون من الله ، (وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ) ، يتقولون ويؤلّفون ، والتبييت : تدبير الفعل ليلا ، (ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ) ، وذلك أن قوم طعمة قالوا فيما بينهم :
نرفع الأمر إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فإنه يسمع قوله ويمينه لأنه مسلم ولا يسمع من اليهودي لأنه (٤) كافر ، فلم يرض الله ذلك منهم ، (وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) ، ثم يقول لقوم طعمة :
(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ، أي : يا هؤلاء ، (جادَلْتُمْ) أي : خاصمتم ، (عَنْهُمْ) يعني : عن طعمة ، وفي قراءة أبيّ بن كعب «عنه» (٥)(فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ، والجدال : شدّة المخاصمة من الجدل ، وهو شدة القتل ، فهو يريد قتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج ، وقيل : الجدال من الجدالة ، وهي الأرض ، فكان كل واحد من الخصمين يروم قهر صاحبه وصرعه على الجدالة ، (فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ) ، يعني : عن طعمة ، (يَوْمَ الْقِيامَةِ) إذا أخذه الله بعذابه ، (أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) ، كفيلا ، أي : من الذي يذب عنهم ، ويتولى أمرهم يوم القيامة ، ثم استأنف فقال :
(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً) ، يعني السرقة ، (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) ، برميه البريء ، وقيل : ومن يعمل سوءا
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) العبارة في المطبوع وحده «بسرقة».
(٣) في المطبوع «على».
(٤) في المطبوع و ـ ط «فإنه».
(٥) أي قرأه أبي رضي الله عنه «جادلتم عنه».