يرثونه ، (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) أي : يتصدقوا بالدية فيعفوا ويتركوا الدية ، (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ، أراد به إذا كان الرجل مسلما في دار الحرب منفردا مع الكفار فقتله من لم يعلم بإسلامه فلا دية عليه ، وعليه الكفارة ، وقيل : المراد منه إذا كان المقتول مسلما في دار الإسلام وهو من نسب قوم كفار ، وقرابته في دار الحرب حرب للمسلمين ففيه الكفارة ولا دية لأهله ، وكان الحارث بن زيد من قوم كفار حرب للمسلمين وكان فيه تحرير رقبة ولم يكن فيه دية لأنه لم يكن بين قومه وبين المسلمين عهد. قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) أراد به إذا كان المقتول كافرا ذميا أو معاهدا فتجب فيه الدية والكفارة ، والكفارة تكون بإعتاق رقبة مؤمنة سواء كان المقتول مسلما أو معاهدا رجلا كان أو امرأة حرا كان أو عبدا وتكون في مال القاتل ، (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) ، والقاتل إن كان واجدا للرقبة أو قادرا على تحصيلها بوجود ثمنها فاضلا عن نفقته ونفقة عياله وحاجته من مسكن ونحوه فعليه الإعتاق ، ولا يجوز أن ينتقل إلى الصوم فإن عجز عن تحصيلها فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإن أفطر يوما متعمدا في خلال الشهرين أو نسي النية ونوى صوما آخر وجب عليه استئناف الشهرين ، وإن أفطر (١) يوما بعذر مرض أو سفر فهل ينقطع التتابع؟ اختلف أهل العلم فيه ، فمنهم من قال : ينقطع وعليه استئناف الشهرين ، وهو قول النخعي وأظهر قولي (٢) الشافعي رضي الله عنه لأنه أفطر مختارا ، ومنهم من قال : لا ينقطع وعليه (٣) أن يبني ، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن والشعبي ، ولو حاضت المرأة في خلال الشهرين أفطرت أيام الحيض ولا ينقطع التتابع ، فإذا طهرت بنت على ما صامت (٤) ، لأنه أمر مكتوب على النساء لا يمكنهن الاحتراز عنه ، فإن عجز عن الصوم فهل يخرج عنه بإطعام ستين مسكينا ، فيه قولان ، أحدهما : يخرج كما في كفارة الظهار ، والثاني لا يخرج لأن الشرع لم يذكر له بدلا فقال : (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ). (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) أي : جعل الله ذلك توبة القاتل الخطأ (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) ، بمن قتل خطأ (حَكِيماً) فيما حكم به عليكم ، أمّا الكلام في بيان الدية فاعلم أن القتل على ثلاثة أنواع : عمد محض وشبه عمد وخطأ محض ، أما المحض فهو : أن يقصد قتل إنسان بما يقصد به القتل غالبا فقتله ففيه القصاص عند وجود التكافؤ ، أو دية مغلّظة في مال القاتل حالة ، وشبه العمد أن يقصد ضربه بما لا يموت مثله من ذلك الضرب غالبا ، بأن ضربه بعصا خفيفة ، أو حجر صغير ضربة أو ضربتين ، فمات فلا قصاص فيه ، بل تجب فيه دية مغلّظة على عاقلته مؤجلة إلى ثلاث سنين ، والخطأ المحض هو : أن لا يقصد قتله (٥) بل قصد شيئا آخر فأصابه فمات منه فلا قصاص فيه ، بل تجب [فيه](٦) دية مخفضة على عاقلته مؤجلة إلى ثلاث سنين وتجب الكفارة في ماله في الأنواع كلها ، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه : قتل العمد لا يوجب الكفارة لأنه كبيرة كسائر الكبائر. ودية الحرّ المسلم مائة من الإبل فإذا عدمت الإبل وجبت قيمتها من الدراهم أو الدنانير في قول ، وفي قول يجب بدل مقدر منها وهو ألف دينار ، أو اثني عشر ألف درهم ، لما روي عن عمر رضي الله عنه فرض الدية على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم. [وذهب قوم إلى أن الواجب في الدية مائة من الإبل ، أو ألف دينار أو اثنا عشر
__________________
(١) في المطبوع «فصل».
(٢) في المطبوع «قول».
(٣) في المطبوع «وله».
(٤) في المطبوع «أصابت».
(٥) في المخطوط «ضربه».
(٦) زيادة عن المخطوط.