وقال مجاهد والشعبي : نزلت في بشر المنافق واليهودي اللّذين اختصما إلى عمر رضي الله عنه. قوله تعالى (فَلا) أي : ليس الأمر كما يزعمون أنهم مؤمنون ثمّ لا يرضون بحكمك ، ثم استأنف القسم (وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) ويجوز أن تكون (لا) في قوله (فَلا) صلة ، كما في قوله (فَلا أُقْسِمُ) [الواقعة : ٧٥] ، (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ). أي يجعلوك حكما ، (فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) ، أي : اختلف واختلط من أمورهم والتبس عليهم حكمه ، ومنه الشجر لالتفاف أغصانه بعضها ببعض ، (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً) ، قال مجاهد : شكّا ، وقال غيره : ضيقا ، وقال الضحاك : إثما (١) ، أي : يأثمون بإنكارهم ما قضيت ، (مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أي : ينقادوا لأمرك انقيادا.
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (٦٦) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨))
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا) أي : فرضنا وأوجبنا ، (عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) ، كما أمرنا بني إسرائيل (أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) ، [كما أمرنا بني إسرائيل](٢) بالخروج من مصر ، (ما فَعَلُوهُ) ، معناه : ما كتبنا عليهم إلّا طاعة الرسول والرضى بحكمه ، ولو كتبنا عليهم القتل والخروج عن الدّور ما كان يفعله ، (إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) ، نزلت في ثابت بن قيس وهو من القليل الذي استثنى الله.
ع [٦٥٩] قال الحسن ومقاتل : لما نزلت هذه الآية قال عمر وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وناس من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم وهم القليل : والله لو أمرنا لفعلنا ، والحمد لله الذي عافانا [الله](٣) ، فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «إنّ من أمتي لرجالا الإيمان في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي».
قرأ ابن عامر وأهل الشام إلا قليلا بالنصب على الاستثناء ، وكذلك هو في مصحف أهل الشام ، وقيل : فيه إضمار ، تقديره : إلّا أن يكون قليلا منهم ، وقرأ الآخرون (قَلِيلٌ) بالرفع على ضمير الفاعل في قوله (فَعَلُوهُ) تقديره : إلّا نفر قليل فعلوه ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ) يؤمرون به من طاعة الرسول والرضى بحكمه ، (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) ، تحقيقا أو تصديقا لإيمانهم.
(وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً) ، ثوابا وافرا.
(وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨)) ، أي : إلى الصراط المستقيم.
__________________
ع [٦٥٩] ـ ضعيف. قال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١ / ٥٣٠) : ذكره الثعلبي ، عن الحسن ومقاتل ا ه بدون إسناد. ومراسيل الحسن واهية ، ومقاتل روى مناكير.
ـ وأخرجه ابن أبي حاتم كما في «الدر» (٢ / ٣٢٤) من طريق هشام ، عن الحسن مرسلا دون ذكر الأسماء.
ـ وأخرجه ابن المنذر كما في «الدر» من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن الحسن مرسلا دون ذكر أسماء الصحابة.
وله شاهد من مرسل أبي إسحاق السبيعي أخرجه الطبري ٩٩٢٦ ، والراجح كونه من مرسل الحسن.
__________________
(١) في المطبوع «إنما».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط و ـ ط.