الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً).
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (٦٢))
(إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١)) أي : يعرضون عنك إعراضا.
(فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) ، هذا وعيد ، أي : فكيف يصنعون إذا أصابتهم مصيبة ، [(بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) ، يعني : عقوبة صدودهم ، وقيل : هي كل مصيبة](١) تصيب جميع المنافقين في الدنيا والآخرة ، وتم الكلام هاهنا ، ثم عاد الكلام إلى ما سبق ، يخبر عن فعلهم فقال : (ثُمَّ جاؤُكَ) ، يعني : يتحاكمون إلى الطاغوت ، (ثُمَّ جاؤُكَ) أي : [يحيونك و](٢) يحلفون [لك](٣) ، وقيل : أراد بالمصيبة قتل عمر رضي الله عنه المنافق ، ثم جاءوا يطلبون ديته ، (يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا) ، ما أردنا بالعدول عنه في المحاكمة أو بالترافع إلى عمر ، (إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً) ، وقال الكلبي : إلّا إحسانا في القول ، وتوفيقا : صوابا ، وقال ابن كيسان : حقا وعدلا ، نظيره : (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى) [التوبة : ١٠٧] ، وقيل : هو إحسان بعضهم إلى بعض ، وقيل : هو تقريب الأمر من الحق ، لا القضاء على أمر الحكم ، والتوفيق : هو موافقة الحق ، وقيل : هو التأليف والجمع بين الخصمين.
(أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (٦٣) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥))
(أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ) ، منّ النفاق ، أي : علم أن ما في قلوبهم خلاف ما في ألسنتهم ، (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) ، أي : عن عقوبتهم [وقيل : فأعرض عن قول عذرهم وعظهم باللسان وقل لهم قولا بليغا](٤). وقيل : هو التخويف بالله [عزوجل] ، وقيل : أن يوعدهم بالقتل إن لم يتوبوا ، قال الحسن : القول البليغ أن يقول لهم : إن أظهرتم ما في قلوبكم من النفاق قتلتم لأنه يبلغ في نفوسهم (٥) كل مبلغ ، وقال الضحاك : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ) في الملأ (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) في السرّ والخلاء (٦) ، وقيل هذا منسوخ بآية القتال.
قوله عزوجل : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) ، أي : بأمر الله لأنّ طاعة الرسول وجبت بأمر الله ، قال الزجاج : إلا ليطاع بإذن الله لأنّ الله قد أذن فيه وأمر به ، وقيل : إلّا ليطاع كلام تام كاف ، بإذن الله تعالى أي : بعلم الله وقضائه ، أي : وقوع طاعته يكون بإذن الله ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ
__________________
(١) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٢) في المطبوع «يجيئونك» وفي نسخة «يجيئونك ويخافونك».
(٣) زياد عن المخطوط.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) في المطبوع «من نفوسكم».
(٦) زيد في المطبوع «وقال».