أنف وعين وفم وحاجب ونجعلها كالأقفاء (١) ، وقيل : نجعل عينيه على القفاء فيمشي القهقرى (٢).
ع [٦٣٢] روي أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه لما سمع هذه الآية جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم قبل أن يأتي أهله ويده على وجهه ، وأسلم وقال : يا رسول الله ما كنت أرى أن أصل إليك حتى يتحول وجهي في قفاي.
وكذلك كعب الأحبار لمّا سمع هذه الآية أسلم في زمن عمر رضي الله عنه ، فقال : يا رب آمنت ، يا رب أسلمت مخافة أن يصيبه وعيد هذه الآية (١).
فإن قيل : قد أوعدهم الله بالطمس إن لم يؤمنوا ثم لم يؤمنوا ولم يفعل بهم ذلك؟ قيل : هذا الوعيد باق ، ويكون طمس ومسخ في اليهود قبل قيام الساعة ، وقيل : هذا كان وعيد بشرط فلما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه دفع ذلك عن الباقين ، وقيل : أراد به في القيامة ، وقال مجاهد أراد بقوله : (نَطْمِسَ وُجُوهاً) أي : نتركهم في الضلالة فيكون المراد طمس وجه القلب ، والردّ عن بصائر الهدى على أدبارها في الكفر والضلالة ، وأصل الطمس : المحو والإفساد والتحويل ، وقال ابن زيد : نمحو آثارهم من وجوههم ونواصيهم التي هم بها فنردّها على أدبارها حتى يعودوا إلى حيث جاءوا منه وهو الشام ، وقال : قد مضى ذلك وتأوله في إجلاء بني النضير إلى أذرعات وأريحا من [أرض](٣) الشام (أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) ، فنجعلهم قردة وخنازير ، (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً).
(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨))
(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) :
ع [٦٣٣] قال الكلبي : نزلت في وحشي بن حرب وأصحابه وذلك أنه لمّا قتل حمزة كان قد جعل له على قتله أن يعتق فلم يوف له بذلك ، فلما قدم مكة ندم على صنيعه هو وأصحابه فكتبوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّا قد ندمنا على الذي صنعنا وأنه ليس يمنعنا عن الإسلام إلا أنا سمعناك تقول وأنت بمكة (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) [الفرقان : ٦٨] ، الآيات وقد دعونا مع الله إلها آخر وقتلنا النفس التي حرّم الله وزنينا ، فلو لا هذه الآيات لاتبعناك ، فنزلت : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً ...) [الفرقان : ٧٠ ـ ٧١] الآيتين ، فبعث بهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليهم فلمّا قرءوا كتبوا إليه : إن هذا شرط شديد نخاف أن لا نعمل [عملا](١) صالحا ، فنزل : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، فبعث بها إليهم فبعثوا إليه : إنّا نخاف أن لا نكون من أهل المشيئة فنزلت : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا
__________________
ع [٦٣٢] ـ لم أره مسندا. وفي الصحيح أن عبد الله بن سلام أسلم لما قدم النبي صلىاللهعليهوسلم وليس فيه هذا الخبر. انظر «صحيح البخاري» رقم (٣٩١١ ـ حديث أنس بن مالك ، وراجع أيضا «الإصابة في تمييز الصحابة» (٢ / ٣٢٠ (٤٧٢٥)).
(١) خبر إسلام «كعب الأحبار» أخرجه الطبري ٩٧٣٠ عن عيسى ابن المغيرة قال : تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب فقال : أسلم كعب في زمان عمر .... فذكره.
ع [٦٣٣] ـ نسبه المصنف الكلبي من قوله ، وإسناده إليه أول الكتاب ، والكلبي واسمه محمد بن السائب كذاب متروك ، والباطل في حديثه هذا ذكر نزول هذه الآية فيه فإن سورة النساء نزلت قبل إسلام وحشي بسنوات وخبر إسلام وحشي ورد بغير هذا السياق ، ويأتي في «سورة الفرقان» إن شاء الله.
__________________
(١) في المطبوع «كالقفا».
(٢) في المطبوع «قهقرى».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط و ـ ط.