وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٤٧))
(وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ) ، منكم ، فلا تستنصحوهم فإنهم أعداؤكم ، (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) ، [قال الزجاج : [معناه](١) اكتفوا بالله وليا واكتفوا بالله نصيرا](٢).
(مِنَ الَّذِينَ هادُوا) ، قيل : هي متصلة بقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ مِنَ الَّذِينَ هادُوا) وقيل : هي مستأنفة ، معناه : من الذين هادوا من يحرفون ، كقوله تعالى : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤)) [الصافات : ١٦٤] أي : من له مقام معلوم (٣) يريد : فريق ، (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ) ، يغيّرون الكلم (عَنْ مَواضِعِهِ) ، يعني : صفة محمد صلىاللهعليهوسلم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان اليهود يأتون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويسألونه عن الأمر فيخبرهم فيرى أنهم يأخذون بقوله فإذا انصرفوا من عنده حرّفوا كلامه.
(وَيَقُولُونَ سَمِعْنا) قولك ، (وَعَصَيْنا) ، أمرك ، (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) أي : اسمع منّا ولا نسمع منك ، (غَيْرَ مُسْمَعٍ) أي : غير مقبول منك.
وقيل : كانوا يقولون للنبي صلىاللهعليهوسلم : اسمع ثم يقولون في أنفسهم : لا سمعت ، (وَراعِنا) أي : ويقولون راعنا يريدون به النسبة إلى الرّعونة ، (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) ، تحريفا ، (وَطَعْناً) ، قدحا (فِي الدِّينِ) ، لأن قولهم : راعنا من المراعاة ، وهم يحرّفونه ، يريدون به الرّعونة ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا) ، أي : انظر إلينا مكان قولهم راعنا ، (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ) ، أي أعدل وأصوب ، (وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) إلا نفرا قليلا منهم وهو عبد الله بن سلام ومن أسلم معه منهم.
قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ، يخاطب اليهود ، (آمِنُوا بِما نَزَّلْنا) ، [يعني : القرآن](٤) ، (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) ، يعني : التوراة.
ع [٦٣١] وذلك أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم كلم أحبار اليهود عبد الله بن صوريا وكعب بن أسد (٥) ، فقال : «يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا فو الله إنّكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق» ، قالوا : ما نعرف ذلك ، وأصرّوا على الكفر ، فنزلت هذه الآية ، (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً).
قال ابن عباس : نجعلها كخف البعير ، وقال قتادة والضحاك : نعميها ، والمراد بالوجه العين ، (فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) ، أي : نطمس الوجوه فنردها على القفا ، وقيل : نجعل الوجوه منابت الشعر كوجوه القردة ، لأن منابت شعور الآدميين في أدبار (٦) وجوههم ، وقيل : معناه نمحو آثارها وما فيها من
__________________
ع [٦٣١] ـ أخرجه الطبري ٩٧٢٩ والبيهقي في «الدلائل» (١ / ٥٣٣ ـ ٥٣٤) من حديث ابن عباس ، وفي إسناده محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، وهو مجهول وأصله في «صحيح البخاري» (٣٩١١) من حديث أنس دون ذكر نزول الآية.
__________________
(١) زيادة عن ـ ط.
(٢) زيادة عن المخطوط و ـ ط.
(٣) في المطبوع وحده «منزلة معلومة» والمثبت عن المخطوط و ـ ط.
(٤) سقط من المخطوط.
(٥) في المطبوع «الأشرف» والمثبت عن الطبري ٩٧٢٩ والمخطوط أيضا.
(٦) زيد في المطبوع و ـ ط «هم دون».