(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) [الزمر : ٦٨] ، فلا أنساب عند ذلك ولا يتساءلون ، ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون ، وأما قوله (ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ـ (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) ، فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم ، فيقول المشركون تعالوا نقل (١) لم نكن مشركين ، فيختم على أفواههم وتنطق أيديهم فعند ذلك عرفوا أن الله لا يكتم حديثا ، وعنده (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) ، و (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : ٩] ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسوّاهنّ في يومين آخرين [ثم دحا الأرض](٢) ودحوها : أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والآكام. وما بينهما في يومين آخرين ، ثم دحا الأرض في يومين فخلقت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام ، وخلقت السموات في يومين ، (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الفتح : ١٤ والنساء : ١٠٠] ، أي : لم يزل كذلك ، فلا يختلف عليك القرآن فإن كلا من عند الله. وقال الحسن : إنها مواطن ، ففي موطن لا يتكلمون ولا تسمع إلا همسا ، وفي موطن (٣) يتكلمون ويكذبون ويقولون [والله ربنا](٤) ما كنا مشركين وما كنا نعمل في سوء ، وفي موطن يعترفون على أنفسهم وهو قوله : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) [الملك : ١١] وفي موطن لا يتساءلون ، وفي موطن يسألون (٥) الرجعة ، وآخر تلك المواطن أن يختم على أفواههم وتتكلّم جوارحهم ، وهو قوله تعالى : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣))
قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) الآية ، والمراد من السّكر : السّكر من الخمر عند الأكثرين.
ع [٦٠٨] وذلك أنّ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه صنع طعاما ودعا ناسا من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم وأتاهم بخمر فشربوها قبل تحريم الخمر وسكروا فحضرت صلاة المغرب فقدّموا رجلا ليصلي بهم فقرأ (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١)) [الكافرون : ١] أعبد ما تعبدون ، بحذف (لا) هكذا إلى آخر السورة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فكانوا بعد نزول هذه الآية يجتنبون السكر أوقات الصلاة حتى نزل تحريم الخمر.
وقال الضحاك بن مزاحم : أراد به سكر النوم ، نهى عن الصلاة عند غلبة النوم :
__________________
ع [٦٠٨] ـ أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» (٣١٦) عن أبي عبد الرحمن السلمي مرسلا ، وفيه عطاء بن السائب قد اختلط.
ـ وله شاهد من حديث علي ، أخرجه أبو داود ٣٦٧١ والترمذي ٣٠٢٦ والحاكم ٢ / ٣٠٧ والطبري ٩٥٢٦ وإسناده حسن ، وفي رواية أبي داود والترمذي أن الذي قدّم للصلاة هو علي رضي الله عنه وفيه عطاء بن السائب لكن الثوري الراوي عنه سمع منه قبل الاختلاط ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وحسنه الترمذي. والله أعلم.
__________________
(١) في المخطوط وحده «نقول».
(٢) زيادة عن المخطوط و ـ ط.
(٣) في المطبوع و ـ ط «موضع».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «يتساءلون».