على آدم ، وأعلمت من يؤمن بي ومن يكفر بي» ، فبلغ ذلك المنافقين ، فقالوا استهزاء : زعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ومن يكفر ممن لم يخلق بعد ، ونحن معه وما يعرفنا ، فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «ما بال أقوام طعنوا في علمي لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة إلا أنبأتكم به» ، فقام عبد الله بن حذافة السهمي ، فقال : من أبي يا رسول الله؟ قال : «حذافة» ، فقام عمر فقال : يا رسول الله رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينا وبالقرآن إماما وبك نبيا فاعف عنا عفا الله عنك ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «فهل أنتم منتهون»؟ ثم نزل عن المنبر ، فأنزل الله تعالى هذه الآية. واختلفوا في حكم [هذه](١) الآية ونظمها ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك ومقاتل والكلبي وأكثر المفسرين : الخطاب للكفار والمنافقين ، يعني : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) يا معشر الكفار والمنافقين من الكفر والنفاق (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) ، وقال قوم : الخطاب للمؤمنين الذين أخبر عنهم ، معناه : وما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن بالمنافق ، فرجع من الخبر إلى الخطاب ، (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) ، قرأ حمزة والكسائي ويعقوب بضم الياء وتشديدها وكذلك التي في الأنفال ، وقرأ الباقون بالتخفيف ، يقال : ماز الشيء يميزه ميزا وميّزه تمييزا إذا فرّقه وامتاز ، وانماز هو بنفسه ، قال أبو معاذ : إذا فرّقت بين شيئين ، قلت : مزت ميزا فإذا كانت أشياء ، قلت : ميزتها تمييزا ، وكذلك إذا جعلت الشيء الواحد شيئين قلت : فرقت بالتخفيف ، ومنه فرق (٢) الشعر ، فإن جعلته أشياء ، قلت : فرقته تفريقا ، ومعنى الآية : حتى يميز المنافق من المخلص ، فميز الله المؤمنين من المنافقين يوم أحد حيث أظهروا النفاق فتخلّفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال قتادة : حتى يميز الكافر من المؤمن بالهجرة والجهاد ، وقال الضحاك : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) في أصلاب الرجال وأرحام النساء يا معشر المنافقين والمشركين حتى يفرّق بينكم وبين من في أصلابكم وأرحام نساءكم من المؤمنين ، وقيل : (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ) وهو المذنب (مِنَ الطَّيِّبِ) وهو المؤمن ، يعني : حتى تحط الأوزار عن المؤمن بما يصيبه من نكبة ومحنة ومصيبة ، (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) ، لأنه لا يعلم الغيب أحد غير الله ، (وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) فيطلعه على بعض علم الغيب ، نظيره قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) [الجن : ٢٦ ـ ٢٧] ، وقال السدي : معناه وما كان الله ليطلع محمدا صلىاللهعليهوسلم على الغيب ولكن الله اجتباه ، (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠))
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) ، أي : ولا يحسبنّ الباخلون البخل خيرا لهم ، (بَلْ هُوَ) ، يعني : البخل ، (شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ) ، أي : سوف يطوقون ، (ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، يعني : يجعل ما منعه من الزكاة حيّة تطوّق في عنقه يوم القيامة تنهشه من قرنه (٣) إلى قدمه ، وهذا قول ابن مسعود وابن عباس وأبي وائل والشعبي والسدي.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «فرقت» والمثبت عن المخطوط و ـ ط.
(٣) في المطبوع «فوقه».