عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمانا من أبي سفيان ، وبعض الصحابة جلسوا وألقوا ما بأيديهم من الأسلحة وقال أناس من أهل النفاق : إن كان محمد [قد](١) قتل فالحقوا بدينكم الأول ، فقال أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك : يا قوم إن كان [محمد] قد قتل فإن ربّ محمد لم يقتل وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وموتوا على ما مات عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم قال : اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء يعني المسلمين ، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعني المنافقين ، ثم شدّ بسيفه فقاتل حتى قتل ، ثم إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم انطلق إلى الصخرة وهو يدعو الناس ، فأول من عرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم كعب بن مالك ، فقال : عرفت عينيه تحت المغفر تزهران فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأشار إليّ أن اسكت ، فانحازت إليه طائفة من أصحابه ، فلامهم النبي صلىاللهعليهوسلم على الفرار ، فقالوا : يا نبي الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا ، أتانا الخبر بأنك قد قتلت ، فرعبت قلوبنا فولّينا مدبرين ، فأنزل الله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ).
ومحمد هو المستغرق لجميع المحامد ، لأنّ الحمد لا يستوجبه إلا الكامل ، والتحميد فوق الحمد ، فلا يستحقه إلا المستولي على الأمر في الكمال ، وأكرم الله نبيّه وصفيّه باسمين مشتقين من اسمه جلّ جلاله (محمد وأحمد) ، وفيه يقول حسان بن ثابت :
ألم تر أن الله أرسل عبده |
|
ببرهانه والله أعلى وأمجد |
وشقّ له من اسمه ليجلّه |
|
فذو العرش محمود وهذا محمد |
قوله تعالى : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) أي : رجعتم إلى دينكم الأول ، (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ) ، فيرتدّ عن دينه ، (فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) ، بارتداده وإنّما ضرّ نفسه ، (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ).
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦))
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ) ، قال الأخفش : اللام في (لِنَفْسٍ) منقولة [من تموت](١) تقديره : وما كانت (٢) نفس لتموت ، (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ، بقضائه وقدره ، [وقيل : بعلمه](٣) ، وقيل : بأمره ، (كِتاباً مُؤَجَّلاً) أي : كتب لكل نفس أجلا لا يقدر أحد على تقديمه (٤) وتأخيره ، ونصب (كِتاباً) على المصدر ، أي : كتب كتابا ، (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) يعني : من يرد بطاعته الدنيا ويعمل لها نؤته منها
__________________
عن الزهري مرسلا بأتم منه.
ـ وأما قوله «فلامهم النبي صلىاللهعليهوسلم على الفرار ...» أخرجه البيهقي ٣ / ٣١١ عن مقاتل بن حيان ولم يذكر فيه الآية.
ـ وسبب نزول الآية أخرجه البيهقي في «الدلائل» (٣ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩) عن ابن أبي نجيح عن أبيه : أن رجلا من المهاجرين مرّ على رجل من الأنصار ، وهو يتشحط في دمه ، فقال له : يا فلان أشعرت أن محمدا صلىاللهعليهوسلم قد قتل؟ فقال الأنصاري : إن كان محمد قد قتل فقد بلّغ ، فقاتلوا عن دينكم ، فنزل : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ...) الآية.
__________________
(١) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٢) في المطبوع «كان».
(٣) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٤) في المطبوع و ـ ط «تغييره».