منهزمين ، (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) ، بل يكون لكم النصر [عليهم](١).
(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا) ، حيث ما وجدوا (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) ، يعني : أينما وجدوا استضعفوا وقتلوا أو سبوا فلا يأمنون إلا بحبل : عهد من الله تعالى بأن يسلموا ، (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) من المؤمنين ببذل جزية أو أمان ، يعني : إلا أن يعصموا بحبل الله فيأمنوا [على أنفسهم وأموالهم](٢) ، قوله تعالى : (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) ، رجعوا به ، (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ).
(لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤))
. قوله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل : لما أسلم (٣) عبد الله بن سلام وأصحابه ، قالت أحبار اليهود : ما آمن بمحمد صلىاللهعليهوسلم إلا شرارنا ولو لا ذلك ما (٤) تركوا دين آبائهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، واختلفوا في وجهها ، فقال قوم : فيه اختصار تقديره : ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة وأخرى غير قائمة ، فترك الأخرى اكتفاء بذكر أحد الفريقين ، وقال الآخرون : تمام الكلام عند قوله : [(لَيْسُوا سَواءً) وهو وقف ، لأنه قد جرى ذكر الفريقين من أهل الكتاب في قوله تعالى :](٥) : (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) ، ثم قال : (لَيْسُوا سَواءً) ، يعني : المؤمنين والفاسقين ، ثم وصف الفاسقين ، فقال : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) ، ووصف المؤمنين بقوله : (أُمَّةٌ قائِمَةٌ) ، وقيل : قوله (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ابتداء كلام آخر ، لأن ذكر الفريقين قد جرى ، ثم قال : ليس هذان الفريقان سواء ، ثم ابتدأ فقال : من أهل الكتاب ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : لا يستوي اليهود وأمة محمد صلىاللهعليهوسلم القائمة بأمر الله الثابتة على الحق المستقيمة ، [وقوله تعالى](٦) : (أُمَّةٌ قائِمَةٌ) قال ابن عباس : أي مهتدية قائمة على أمر الله لم يضيّعوه ولم يتركوه. وقال مجاهد : عادلة. وقال السدي : مطيعة قائمة على كتاب الله وحدوده (٧). وقيل : قائمة في الصلاة. وقيل : الأمة الطريقة. ومعنى الآية : أي ذوو (٨) أمة ، أي : ذوو طريقة مستقيمة. (يَتْلُونَ آياتِ اللهِ) ، يقرءون كتاب الله ، وقال مجاهد : يتبعون (آناءَ اللَّيْلِ) : ساعاته ، واحدها : إني وآناء ، مثل نحي وأنحاء ، وإنى وآناء مثل : معى وأمعاء ، وأنى مثل منا وأمناء ، (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) ، أي : يصلّون ، لأن التلاوة لا تكون في السجود ، واختلفوا في معناها ، فقال بعضهم : هي قيام الليل ، وقال ابن مسعود : [هي في](٩) صلاة العتمة يصلّونها ولا يصلّيها من سواهم من أهل الكتاب ، وقال عطاء : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) الآية ، يريد : أربعين رجلا من أهل نجران من العرب واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى وصدّقوا محمدا صلىاللهعليهوسلم ، وكان من الأنصار منهم عدة قبل قدوم النبيّ صلىاللهعليهوسلم ،
__________________
(١) زيادة عن المخطوط و ـ ط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «آمن».
(٤) في المطبوع «لما».
(٥) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٦) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٧) تصحف في المطبوع «وحده».
(٨) كذا في المخطوط و ـ ط والقرطبي (٤ / ١٧٥) وفي المطبوع «ذووا».
(٩) زيادة عن المخطوط.