تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ، وأن تناصحوا من ولّى الله أمركم ، [ويسخط لكم](١) قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال».
قوله تعالى ؛ (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ).
[٤١٧] قال محمد بن إسحاق بن يسار وغيره من أهل الأخبار : كانت الأوس والخزرج أخوين لأب وأم فوقعت بينهما عداوة بسبب قتيل قتل بينهم ، فتطاولت تلك العداوة والحرب بينهم عشرين ومائة سنة إلى أن أطفأ الله عزوجل ذلك بالإسلام ، وألّف بينهم برسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، وكان سبب ألفتهم أن سويد بن الصامت أخا بني عمرو بن عوف وكان شريفا يسميه قومه الكامل لجلده ونسبه قدم مكة حاجّا أو معتمرا ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد بعث وأمر بالدعوة ، فتصدّى له [رسول الله صلىاللهعليهوسلم](٢) حين سمع به ودعاه إلى الله عزوجل وإلى الإسلام ، فقال له سويد : فلعلّ الذي معك مثل الذي معي ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وما الذي معك»؟ فقال : مجلة (٣) لقمان ، يعني : حكمته ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اعرضها عليّ» ، فعرضها ، فقال : «إن هذا الكلام (٤) حسن ، ومعي أفضل من هذا ، قرآن أنزل الله عليّ نورا وهدى» ، فتلا عليه القرآن ودعاه إلى الإسلام ، فلم يبعد منه ولم ينفر وسرّ بذلك ، وقال : إن هذا القول حسن ، ثم انصرف إلى المدينة فلم يلبث أن قتله الخزرج قبل يوم بعاث ، فإنّ قومه ليقولون : إنه قد قتل وهو مسلم ، ثم قدم أبو الحيسر (٥) أنس بن رافع ، ومعه فئة من بني الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قوم من الخزرج ، فلما سمع بهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتاهم فجلس إليهم ، وقال : هل لكم إلى خير ممّا جئتم له؟ قالوا : وما ذلك؟ قال : «أنا رسول الله بعثني إلى العباد أدعوهم إلى أن لا يشركوا بالله شيئا ، وأنزل الله عليّ الكتاب» ، ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن ، فقال إياس بن معاذ وكان غلاما حدثا : أي قوم هذا والله خير ممّا جئتم له [يا بني الأشهل](٦) ، فأخذ أبو الحيسر حفنة من البطحاء فضرب بها وجه إياس وقال : دعنا منك فلعمري لقد جئنا لغير هذا ، فصمت إياس وقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنهم ، وانصرفوا إلى المدينة ، وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج ، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك ، فلما أراد الله عزوجل إظهار دينه وإعزاز نبيّه خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار ويعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم ، فلقي عند العقبة رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا ، وهم ستة نفر : أسعد بن زرارة ، وعوف بن الحارث وهو ابن عفراء ، ورافع بن مالك بن العجلان ، وقطبة بن عامر بن حديدة (٧) ،
__________________
[٤١٧] ـ أورده ابن هشام في «السيرة» (٢ / ٥١ ـ ٧٠) منجما مطولا ، وورد بنحوه عن محمد بن إسحاق بن يسار قال : فلما أراد الله عزوجل إظهار دينه ... فذكره أخرجه البيهقي في «الدلائل» (٢ / ٤٣٣ ـ ٤٣٤).
ـ وأخرجه الطبري ٧٥٨٤ من طريق ابن إسحاق عن الحصين بن عبد الرحمن ، عن محمود بن لبيد مرسلا بنحوه.
ـ وأخرج صدره الطبري ٧٥٨٣ من طريق ابن إسحاق أيضا عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أشياخ من قومه قالوا : قدم سويد بن الصامت ... فذكره.
__________________
(١) زيد في المطبوع «ثلاثا».
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) تصحف في المطبوع إلى «مجلد» والمجلة : الصحيفة ، وفيها حكم لقمان.
(٤) في المطبوع «كلام» والمثبت عن ـ ط.
(٥) تصحف في المطبوع إلى «الجيسر».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) تصحف في المطبوع «خريدة».