وأصحابه كانوا يتولّون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار ، ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله هذه الآية ونهى المؤمنين عن مثل فعلهم (١) ، قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) ، أي : موالاة الكفار في نقل الأخبار إليهم وإظهارهم على عورة (٢) المسلمين ، (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) ، أي : ليس من دين الله في شيء ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) ، يعني : إلا أن تخافوا منهم مخافة ، قرأ مجاهد ويعقوب : «تقية» على وزن بقية لأنهم كتبوها بالياء ، ولم يكتبوها بالألف : مثل حصاة ونواة ، وهي مصدر يقال : تقيت تقاة وتقى تقية وتقوى ، فإذا قلت : اتّقيت كان المصدر (٣) الاتّقاء ، وإنما قال تتقوا من الاتّقاء ، ثم قال : تقاة ولم يقل : اتقاء لأن معنى اللفظين إذا كان واحدا يجوز إخراج مصدر أحدهما على لفظ (٤) الآخر ؛ كقوله تعالى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) [المزمل : ٨] ، ومعنى الآية : إن الله تعالى نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم ، إلّا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين [على المؤمنين](٥) ، أو يكون المؤمن في قوم كفار يخافهم فيداريهم [ويداهنهم](٦) باللسان ، وقلبه مطمئن بالإيمان دفعا عن نفسه [مضارتهم ما أمكن](٧) ، من غير أن يستحلّ دما حراما أو مالا حراما أو يظهر الكفار على عورة المسلمين ، والتقية لا تكون إلا مع خوف القتل وسلامة النيّة ، قال الله تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) [النحل : ١٠٦] ثم هذا رخصة ، فلو صبر حتى قتل فله أجر عظيم ، وأنكر قوم التقية اليوم ، قال معاذ بن جبل ومجاهد : كانت التقية (٨) في جدّة الإسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين ، [فأما اليوم فقد أعزّ الله الإسلام](٩) ، فليس ينبغي لأهل الإسلام أن يتّقوا من عدوهم ، وقال يحيى البكاء : قلت لسعيد بن جبير في أيام الحجاج إن الحسن كان يقول لكم : تقية باللسان والقلب مطمئن بالإيمان ، فقال سعيد : ليس في الإسلام تقية ، وإنما التقية في أهل الحرب ، (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ، أي : [و] يخوّفكم الله عقوبته على موالاة الكفار وارتكاب المنهي (١٠) ومخالفة الأمور (١١) ، (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ).
(قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٣٠))
. (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ)(١٢) ، ما في قلوبكم من مودّة الكفارة ، (أَوْ تُبْدُوهُ) من موالاتهم ، قولا وفعلا ، (يَعْلَمْهُ اللهُ) ، قال الكلبي : إن تسرّوا ما في قلوبكم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم من التكذيب ، أو تظهروه بحربه وقتاله ، يعلمه الله ويحفظه عليكم حتى يجازيكم [في الدنيا بالأسر والقتل بنصره عليكم وفي الآخرة بالعذاب الشديد](١٣) ، ثم قال : (وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ، يعني : [إذا كان](١٤)
__________________
(١) في المخطوط «قولهم».
(٢) في المخطوط «عورات».
(٣) في المخطوط «مصدره».
(٤) في المخطوط «عن اللفظ».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) زيادة عن المخطوط و ـ ط.
(٩) سقط من المخطوط.
(١٠) في المخطوط «النهي».
(١١) في المخطوط «الأمر».
(١٢) زيادة عن المخطوط ، وفي ط «أي» بدل «ما في».
(١٣) ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
(١٤) ما بين المعقوفتين في المخطوط «إذ».