زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى إذا انقضت عدّتها جاء يخطبها ، فقلت له : زوجتك وفرشتك وأكرمتك فطلقتها! ثم جئت تخطبها؟ ألا والله لا تعود إليك أبدا ، وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه (١) ، فأنزل الله تعالى : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ) ، فقلت : الآن أفعل يا رسول الله ، قال : فزوّجها إياه.
قوله تعالى : (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) ، أي : انقضت عدتهن (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ) ، أي : لا تمنعوهن عن النكاح ، والعضل : المنع ، وأصله الضيق والشدّة ، يقال : عضلت المرأة : إذا نشب ولدها في بطنها فضاق عليه الخروج ، والداء العضال الذي لا يطاق علاجه ، وفي الآية دليل على أن المرأة لا تلي عقد النكاح ، إذ لو كانت تملك ذلك لم يكن هناك عضل ، ولا لنهي الولي عن العضل معنى ، وقيل : الآية خطاب مع الأزواج لمنعهم من الإضرار لأن ابتداء الآية خطاب معهم ، والأول أصح ، (إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) ، بعقد حلال ومهر جائز ، (ذلِكَ) ، أي : [ذلك](٢) الذي ذكر من النهي (يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، وإنما قال ذلك موحدا والخطاب للأولياء ، لأن الأصل في مخاطبة الجمع ذلكم ، ثم كثر حتى توهموا أن الكاف من نفس الحرف وليس بكاف خطاب ، فقالوا ذلك ، فإذا قالوا هذا كانت الكاف موحدة مستوية في الاثنين والجمع والمؤنث والمذكر ، قيل : هو خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فلذلك وحّد ثم رجع إلى خطاب المؤمنين ، فقال : (ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ) ، أي : خير لكم ، (وَأَطْهَرُ) : لقلوبكم من الريبة وذلك أنه كان في نفس كل واحد منهما علاقة حيث لم يؤمن أن يتجاوز ذلك إلى غير ما أحل الله لهما ، ولم يؤمن من الأولياء أن يسبق إلى قلوبهم منهما ما لعلهما أن يكونا بريئين من ذلك فيأثمون ، (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ، أي : يعلم من حب كل واحد منهما لصاحبه ما لا تعلمون أنتم.
(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣))
قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) ، أي : والمطلقات اللاتي لهن أولاد من أزواجهن (يُرْضِعْنَ) خبر بمعنى الأمر وهو أمر استحباب لا أمر إيجاب ، لأنه لا يجب عليهن الإرضاع إذا كان يوجد من يرضع الولد ؛ لقوله تعالى في سورة الطلاق : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [الطلاق : ٦] ، فإن رغبت الأم في الإرضاع فهي أولى من غيرها ، (حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) ، أي : سنتين ، وذكر الكمال للتأكيد ؛ كقوله تعالى : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) [البقرة : ١٩٦] ، وقيل : إنما قال كاملين لأن العرب قد تسمّي بعض الحول حولا وبعض الشهر شهرا ، كما قال الله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) [البقرة : ١٩٧] ، وإنّما هي شهران وبعض الثالث ، وقال : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) [البقرة : ٢٠٣] ، وإنما يتعجّل في يوم وبعض يوم ويقال : أقام فلان بموضع كذا حولين ، وإنما أقام به حولا وبعض آخر ، فبيّن الله تعالى أنهما حولان كاملان أربعة وعشرون شهرا ، واختلف أهل العلم في هذا الحد ، فمنهم من قال : هو حد لبعض
__________________
(١) زيد في المخطوط دون نسخ المطبوع و «شرح السنة» «وليس لي إرادة في رجعتها له».
(٢) زيادة عن المخطوط و ـ ط.