بمكة ، وهي : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً) [النحل : ٦٧] ، فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال يومئذ ، ثم نزلت في مسألة عمر ومعاذ بن جبل : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) ، فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله تقدم (١) في تحريم الخمر» ، فتركها قوم لقوله : (إِثْمٌ كَبِيرٌ) ، وشربها أقوام لقوله : (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) ، إلى أن صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعا ناسا من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأتاهم بخمر فشربوا وسكروا وحضرت صلاة المغرب ، فقدّموا بعضهم ليصلّي بهم فقرأ : قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون هكذا إلى آخر السورة بحذف لا ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) [النساء : ٤٣] ، فحرّم السكر في أوقات الصلاة ، فلما نزلت هذه الآية تركها قوم وقالوا : لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة ، وتركها قوم في أوقات الصلاة وشربوها في غير حين الصلاة حتى كان الرجل يشرب بعد صلاة العشاء فيصبح وقد زال عنه السكر ، ويشرب بعد صلاة الصبح فيصحو إذا جاء وقت الظهر ، واتخذ عتبان بن مالك صنيعا ودعا رجالا من المسلمين فيهم سعد بن أبي وقاص ، وكان قد شوى لهم رأس بعير فأكلوا منه وشربوا الخمر حتى أخذت منهم ، ثم إنهم افتخروا عند ذلك وانتسبوا وتناشدوا الأشعار ، فأنشد سعد قصيدة فيها هجاء للأنصار ، وفخر لقومه فأخذ رجل من الأنصار لحى بعير فضرب به رأس سعد فشجّه موضحة فانطلق به سعد إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وشكا إليه الأنصاري ، فقال عمر : اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا ، فأنزل الله تعالى تحريم الخمر في سورة المائدة إلى قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة : ٩١] ، وذلك بعد غزوة الأحزاب بأيام ، فقال عمر رضي الله عنه : انتهينا يا رب.
قال أنس : حرّمت الخمر ولم يكن يومئذ للعرب عيش أعجب منها ، وما حرم عليهم شيء أشدّ من الخمر.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لمّا نزلت الآية التي في سورة المائدة حرمت الخمر فخرجنا بالحباب (١) إلى الطريق فمنّا من كسر حبّه ، ومنّا من غسله بالماء والطين ، ولقد غودرت أزقة المدينة بعد ذلك حينا ، كلما (٢) مطرت استبان فيها لون الخمر وفاحت منها ريحها.
وعن أنس رضي الله عنه : سمّيت الخمر خمرا لأنهم كانوا يدعونها في الدنان (٣) حتى تختمر وتتغيّر ، وعن ابن المسيّب : لأنها تركت حتى صفا صفوها (٤) ورسب كدرها.
[٢٢٣] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف
__________________
الثاني : أخرجه الطبري ٤١٥٤ عن الربيع قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ) قال : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن ربكم يقدم في تحريم الخمر. قال ثم نزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن ربكم يقدم في تحريم الخمر». قال : ثم نزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) [المائدة : ٩٠ ـ فحرمت الخمر عند ذلك.
وورد من وجوه أخر يأتي في سورة [النساء : ٤٣ ـ و [المائدة : ٩٠ ـ.
(١) الحب : الخابية ـ فارسي معرب.
[٢٢٣] ـ إسناده على شرطهما ، ابن عليّة ، هو إسماعيل بن إبراهيم ، وهو في صحيح البخاري ٤٦١٧ عن يعقوب بن إبراهيم بهذا الإسناد.
__________________
(١) كذا في نسخ المطبوع ، وفي المخطوط «يقدم».
(٢) في نسخ المطبوع «فلما».
(٣) في المطبوع «الدندان».
(٤) في المطبوع وحده «لونها».