بمعدن فوق الفرع بموضع من الحجاز يقال له بحران (١) ، أضلّ سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما يعتقبانه فتخلّفا في طلبه ، ومضى ببقية أصحابه حتى نزلوا بطن نخلة بين مكة والطائف ، فبينما هم كذلك إذ مرّت عير لقريش تحمل زبيبا وأدما (٢) وتجارة من تجارة الطائف فيهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان ، فلما رأوا أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم هابوهم ، فقال عبد الله بن جحش : إن القوم قد ذعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم وليتعرض لهم ، فحلقوا رأس عكاشة ثم أشرف (١) عليهم ، فقالوا : قوم عمار لا بأس عليكم فأمنوهم ، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة ، وكانوا يرون أنه من جمادى وهو من رجب ، فتشاور القوم وقالوا : [لئن](٢) تركتموهم الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم ، فأجمعوا أمرهم في مواقعة (٣) القوم فرمى واقد بن عبد الله السهمي عمرو بن الحضرمي فقتله ، فكان أول قتيل من المشركين وهو أول قتيل في الهجرة ، وأدى النبيّ صلىاللهعليهوسلم دية ابن الحضرمي إلى ورثته من قريش ، قال مجاهد وغيره : لأنه كان بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبين قريش عهد ، وادع أهل مكة سنتين أن لا يقاتلهم ولا يقاتلوه واستأسر الحكم وعثمان فكانا أول أسيرين في الإسلام وأفلت نوفل فأعجزهم واستاق المؤمنون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة ، فقالت قريش : قد استحلّ محمد الشهر الحرام فسفك فيه الدماء وأخذ [فيه](٤) الحرائب ، وعيّر بذلك أهل مكة من كان بها من المسلمين ، وقالوا : يا معشر الصبأة استحللتم الشهر الحرام وقاتلتم فيه وبلغ [ذلك](٥) رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال لابن جحش وأصحابه : «ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام» ، ووقف العير والأسيرين ، وأبى أن يأخذ شيئا من ذلك ، فعظم ذلك على أصحاب السرية وظنوا أن قد هلكوا وسقط في أيديهم ، قالوا : يا رسول الله إنا قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب فلا ندري أفي رجب أصبناه أم في جمادى ، وأكثر الناس في ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم العير فعزل منها الخمس فكان أول خمس في الإسلام ، وقسم الباقي بين أصحاب السرية فكان أول غنيمة في الإسلام ، وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم ، فقال : بل نقفهما (٦) حتى يقدم سعد وعتبة (٧) وإن لم يقدما قتلناهما بهما ، فلما قدما فأدّاهما ، فأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة فقتل يوم بئر معونة شهيدا ، وأمّا عثمان بن عبد الله فرجع إلى مكة فمات بها كافرا ، وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق فوقع في الخندق مع فرسه فتحطّما جميعا ، فقتله الله [تعالى] فطلب المشركون جيفته بالثمن ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «خذوه فإنّه خبيث الجيفة خبيث الدية» ، فهذا سبب نزول هذه الآية.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ
__________________
(١) وقع في الأصل «نجران» وهو تصحيف.
(٢) الأديم : الطعام المأدوم ، والجلد ، أو أحمره أو مدبوغه ـ وأدم الخبز : خلطه بالأدم.
__________________
(١) في المطبوع وحده. «أشرفوا».
(٢) في المطبوع «إن».
(٣) في المطبوع «موافقة».
(٤) زيادة من «أسباب النزول» للواحدي ١٣١ وهو شيخ البغوي ، وعنه أخذ البغوي الكثير.
(٥) زيادة من المخطوط و «أسباب النزول» ١٣١.
(٦) في المطبوع «نبقيهما» وفي ـ ط «نقفهم» والمثبت عن «أسباب النزول» ١٣١ (ص ٧٢)
(٧) تصحف في المطبوع إلى «عقبة».