الأصم أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي :
أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل ، وأنا والله عاقله فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل».
قوله تعالى : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) ، أي : ذلك الذي ذكرت من العفو عن القصاص وأخذ الدية تخفيف من ربكم ورحمة ، وذلك أن القصاص في النفس والجراح كان حتما في التوراة على اليهود ، ولم يكن لهم أخذ الدية ، وكان في شرع النصارى الدية ولم يكن لهم [فيها](١) القصاص ، فخيّر الله هذه الأمّة بين القصاص وبين العفو عن الدية تخفيفا منه ورحمة ، (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) ، فقتل الجاني بعد العفو وقبول الدية ، (فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) ، وهو أن يقتل قصاصا ، قال ابن جريج : يتحتم قتله حتى لا يقبل (٢) العفو ، وفي الآية دليل على أن القاتل لا يصير كافرا بالقتل ؛ لأن الله تعالى خاطبه بعد القتل بخطاب الإيمان فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) ، وقال في آخر الآية : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) ، وأراد به أخوّة الإيمان ، فلم يقطع الأخوة بينهما بالقتل.
(وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠))
قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) ، أي : بقاء ، وذلك أن القاصد للقتل إذا علم أنه إذا قتل يقتل ، يمتنع عن القتل ، فيكون فيه بقاؤه وبقاء من همّ بقتله ، [وقيل في المثل : القتل أنفى للقتل](٣) ، وقيل معنى الحياة : سلامته من قصاص الآخرة ، فإنه إذا اقتصّ منه في الدنيا حيي في الآخرة ، وإذا لم يقتص منه في الدنيا اقتصّ منه في الآخرة ، (يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، أي : تنتهون عن القتل مخافة القود.
قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ) ، أي : فرض عليكم ، (إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) ، أي : جاء أسباب الموت وآثاره من العلل والأمراض ، (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) ، أي : مالا ، نظيره قوله تعالى : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) [البقرة : ٢٧٢ و ٢٧٣] ، (الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) ، كانت الوصية فريضة في ابتداء الإسلام
__________________
(٣ / ٩٥ ـ ٩٦) والطحاوي في «المشكل» ٤٩٠٣ وفي «المعاني» (٣ / ٣٢٧) والشافعي (٢ / ٩٩) والبيهقي (٨ / ٥٢) كلهم من حديث أبي شريح الخزاعي ، وإسناده صحيح على شرط البخاري ، وصححه السهيلي في «الروض الأنف» نقله عنه الزيلعي في «نصب الراية» (٤ / ٣٥١) ووافقه.
ـ وورد بألفاظ متقاربة ، ذكرها الزيلعي ، راجع «نصب الراية» إن شئت.
ـ وله شاهد أخرجه البخاري ١١٢ و ٢٤٣٤ و ٦٨٨٠ ومسلم ١٣٥٥ وأبو داود ٥٤٠٥ والترمذي ١٤٠٥ و ٢٦٦٧ وأبو عوانة (٤ / ٤٣ ـ ٤٤) والنسائي في «الكبرى» ٥٨٥٥ والطحاوي في «المعاني (٣ / ١٧٤) وفي «المشكل» (٤٩٠١) و (٤٩٠٢) وابن حبان ٣٧١٥ والدار قطني (٣ / ٩٦ ـ ٩٧) والبيهقي (٨ / ٥٣) من طرق كلهم من حديث أبي هريرة. وصدره «إن الله حبس عن مكة الفيل ...... فمن قتل له قتيل فهو بخير النظرين ، إما أن يعقل ، وإما أن يقاد أهل القتيل ...» الحديث.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيد في المطبوع «بعد».
(٣) ليس في المخطوط.