لَيَكْتُمُونَ الْحَقَ) ، يعني : صفة محمد صلىاللهعليهوسلم وأمر الكعبة ، (وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
ثم قال : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) ، أي : هذا الحق ، خبر مبتدأ مضمر ، وقيل : رفع بإضمار فعل ، أي : جاء الحق من ربك ، (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) : الشاكّين.
قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ) ، أي : لأهل كل ملة قبلة ، والوجهة : اسم للمتوجه إليه ، (هُوَ مُوَلِّيها) ، أي : مستقبلها ، ومقبل عليها ، يقال : وليته ، ووليت إليه إذا أقبلت عليه ، ووليت عنه إذا أدبرت عنه ، قال مجاهد : هو موليها وجهه ، وقال الأخفش : هو كناية عن الله عزوجل ، يعني [الله تعالى](١) : مولى الأمم إلى قبلتهم ، وقرأ ابن عامر : «هو مولاها» ، أي : المستقبل مصروف إليها ، (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) ، أي : إلى الخيرات ، يريد بادروا بالطاعات ، والمراد : المبادرة إلى القبول ، (أَيْنَ ما تَكُونُوا) : أنتم وأهل الكتاب ، (يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) : يوم القيامة فيجزيكم بأعمالكم [إن خيرا فخير وإن شرّا فشر](٢) ، (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠))
قوله تعالى : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩)) ، قرأ أبو عمرو بالياء ، و [قرأ](٣) الباقون بالتاء.
(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ، وإنما كرر لتأكيد (٤) النسخ ، (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، اختلفوا في تأويل هذه الآية ، ووجه قوله : (إِلَّا) فقال بعضهم : معناه حولت القبلة إلى الكعبة لئلا يكون للناس عليكم حجّة إذا توجّهتم إلى غيرها ، فيقولون : ليست لكم قبلة ، إلا الذين ظلموا [منهم](٥) وهم قريش واليهود ، فأمّا قريش فتقول : رجع محمد إلى الكعبة لأنه علم أنها الحق وأنها قبلة آبائه ، فكذلك يرجع إلى ديننا [وما نحن عليه](٦) ، وأما اليهود ، فتقول : لم ينصرف عن بيت المقدس مع علمه أنه حق إلّا أنه يعمل برأيه ، وقال قوم : لئلا يكون للناس عليكم حجة ، يعني : اليهود ، وكانت حجتهم على طريق المخاصمة على المؤمنين في صلاتهم إلى بيت المقدس ، أنهم كانوا يقولون : ما درى محمد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم نحن ، وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، وهم مشركو مكّة ، وحجّتهم أنهم قالوا لما صرفت القبلة (٧) إلى الكعبة : إن محمّدا قد تحيّر في دينه وسيعود إلى ملّتنا كما عاد إلى قبلتنا ، وهذا معنى قول مجاهد وعطاء وقتادة ، وعلى هذين التأويلين يكون الاستثناء صحيحا ، وقوله : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، يعني : لا حجة لأحد عليكم إلا
__________________
ساقط ، لكن ورد من وجوه أخر واهية.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) سقط من نسخ المطبوع.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «لتأييد».
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) سقط من نسخ المطبوع.
(٧) في المطبوع «قبلتهم».