شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً).
قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) ، أي : تحويلها ، يعني عن بيت المقدس ، فيكون من باب حذف المضاف ، ويحتمل أن يكون المفعول الثاني للجعل محذوفا على تقدير : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة ، وقيل معناه التي أنت عليها وهي الكعبة ؛ كقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) [آل عمران : ١١٠] ، أي : أنتم ، (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) ، فإن قيل : ما معنى قوله (إِلَّا لِنَعْلَمَ) وهو عالم بالأشياء كلها قبل كونها؟ قيل : أراد به العلم الذي يتعلق به الثواب والعقاب ، فإنه لا يتعلق بما هو عالم به في الغيب ، إنما يتعلق بما يوجد معناه لنعلم العلم (١) الذي يستحق العامل عليه الثواب والعقاب ، وقيل : (إِلَّا لِنَعْلَمَ) ، أي : لنرى ونميّز من يتبع الرسول في القبلة [التي أردناها في أزلنا](٢) ، (مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) ، فيرتد ، وفي الحديث : «أن القبلة لما حوّلت ارتدّ قوم من المسلمين إلى [دين](٢) اليهودية ، وقالوا : رجع محمد إلى دين آبائه» (١) ، وقال أهل المعاني : معناه إلا لعلمنا من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، كأنه سبق في علمه أنّ تحويل القبلة سبب لهداية قوم وضلالة قوم ، وقد يأتي لفظ الاستقبال بمعنى الماضي ، ؛ كما قال الله تعالى : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ) [البقرة : ٩١] ، أي : فلم قتلتموهم (٣)؟ (وَإِنْ كانَتْ) ، أي : وقد كانت ، أي (٤) تولية القبلة ، وقيل : الكتابة راجعة إلى القبلة ، وقيل : إلى الكعبة ، قال الزجاج : وإن كانت التحويلة (لَكَبِيرَةً) : ثقيلة شديدة ، (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) ، أي : هداهم الله ، قال سيبويه : (وَإِنْ) تأكيد شبيه باليمين ، ولذلك دخلت اللام في جوابها ، (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ).
ع [٩٥] وذلك أن حييّ بن أخطب وأصحابه من اليهود ، قالوا للمسلمين : أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس إن كانت هدى ، فقد تحوّلتم عنها ، وإن كانت ضلالة فقد دنتم الله بها؟ ومن مات منكم عليها فقد مات على الضلالة ، فقال المسلمون : إنما الهدى ما أمر الله به ، والضلالة ما نهى الله عنه ، قالوا : فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا ، وكان قد مات قبل أن تحوّل إلى الكعبة من المسلمين أسعد بن زرارة ، من بني النجار والبراء بن معرور من بني سلمة ، وكانا من النقباء ، ورجال آخرون ، فانطلق عشائرهم إلى
__________________
(١) لا أصل له بهذا اللفظ ، ولم يلتحق باليهودية من المسلمين أحد ، بل ولم يرتد أحد من المسلمين بسبب تحول القبلة ، وقد أخرج الطبري ٢٢١٠ عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ؟ فقال عطاء : يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره. قال ابن جريج : بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا : مرة هاهنا ومرة هاهنا ا ه. ومرسل ابن جريج هذا ليس بشيء ، قال أحمد : بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج ، أحاديث موضوعة ، كان لا يبالي من أين يأخذها. راجع «الميزان» (٢ / ٦٥٩)
ع [٩٥] ـ لم أره مسندا بهذا السياق. وبنحوه أخرج أبو داود ٤٦٨٠ والترمذي ٢٩٦٤ والطيالسي ٢٦٧٣ وأحمد (١ / ٢٩٥ و ٣٠٤) والدارمي (١ / ٢٨١) والطبري ٢٢٢٤ والحاكم (٢ / ٢٦٩) والطبراني ١١٧٢٩ عن ابن عباس قال : لما توجه النبي صلىاللهعليهوسلم إلى الكعبة قالوا : يا رسول الله ، فكيف الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) وإسناده حسن لأجل سماك بن حرب ، وقد توبع.
فقد ورد من حديث البراء بن عازب وفيه : «مات على القبلة قبل أن تحوّل رجال ، وقتلوا ، فلم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ)» أخرجه البخاري ٤٠ و ٤٤٨٦ ومسلم ٥٢٥ والترمذي ٣٤٠ وابن ماجه ١٠١٠ وأحمد (٤ / ٢٨٣) وابن حبان ١٧١٦ ، وفي الباب أحاديث.
(١) كذا في نسخ المطبوع. وفي المخطوط «العمل».
(٢) سقط من نسخ المطبوع.
(٣) في المخطوط «قتلتم» دون «فلم».
(٤) في المطبوع وحده «أو».