وربكم ، (وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) ، أي : لكل واحد جزاء عمله ، فكيف تدعون أنكم أولى بالله ، (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) ، وأنتم به مشركون ، قال سعيد بن جبير : الإخلاص أن يخلص العبد دينه وعمله فلا يشرك به في دينه ولا يرائي بعمله ، قال الفضيل : ترك العمل من أجل (١) الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
قال الله تعالى : (أَمْ تَقُولُونَ) ، يعني : أتقولون [صيغته](٢) صيغة استفهام ، ومعناه التوبيخ ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص بالتاء ؛ لقوله تعالى : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) ، وقال بعده : (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) ، وقرأ الآخرون بالياء ، يعني : يقول اليهود والنصارى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ) : يا محمد (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ) بدينهم (أَمِ اللهُ)؟ وقد أخبر الله تعالى أن إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما. (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ) : أخفى (شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) تعالى ، وهي علمهم بأن إبراهيم وبنيه كانوا مسلمين ، وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم حقّ ورسول أشهدهم الله عليه في كتبهم ، (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١) سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٤٣))
(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١)) ، كرّره تأكيدا.
قوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ) : الجهال (مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ) ، أي شيء صرفهم وحوّلهم (عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) ، يعني : بيت المقدس ، والقبلة فعلة من المقابلة نزلت في اليهود ومشركي مكة ، طعنوا في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى مكة فقالوا لمشركي مكة : قد تردّد على محمد أمره فاشتاق إلى مولده وقد توجّه نحو بلدكم ، وهو راجع إلى دينكم ، فقال الله تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) : ملكا والخلق عبيده ، (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) ، نزلت في رؤساء اليهود ، قالوا لمعاذ بن جبل : ما ترك محمد قبلتنا إلا حسدا وإن قبلتنا قبلة الأنبياء ، ولقد علم محمد أنا عدل بين الناس ، فقال معاذ : أنا على حق وعدل ، فأنزل الله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً) أي (٣) : وهكذا ، وقيل : الكاف للتشبيه ، وهي مردودة على قوله : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) [البقرة : ١٣٠] ، أي : كما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم ، كذلك جعلناكم أمة ، (وَسَطاً) ، أي : عدلا خيارا ، قال الله تعالى : (قالَ أَوْسَطُهُمْ) [القلم : ٢٨] ، أي : خيرهم وأعدلهم ، وخير الأشياء أوسطها ، وقال الكلبي : يعني أهل دين وسط بين الغلوّ والتقصير لأنهما
__________________
(١) في المطبوع «لأجل».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) العبارة في المخطوط ، (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً) أي : وهكذا. وقيل : الكاف للتشبيه ، أي كما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم كذلك جعلناكم أمة وسطا ، مردودة على قوله : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) [وسطا] أي عدلا وخيارا».