فهكذا (١) كانت الإجابة وترتبت العقول ، وعلوها على عالم الطبيعة وخروجها عن المكان والزمان.
ثم ترتب أيضا الهيولى والصورة وانقسامها إلى أبعاض عشرة من المحيط إلى عالم الكون والفساد والعقول ممدّة للعاشر بسريان أنوارها على الفعل في عالم الهيولى ، وقد صار لها كالمبدع الأول في عالم الأمر في الشرف والفعل والمباينة في الصورة ، إذ هو مجرد عن الجسم من عدة العقول الانبعاثية (٢) ، لأنّه لما تأخر عن مرتبة الاثنينية ، ووقعت الدعوة بالمنبعث الأول وسبقه إلى ما سها عنه وغفل منه سبع مراتب ، وصارت تفعل فيه وتؤيده وتمده وتلهمه إلى فعل ما نقص بسببه ، لأنّه قد التزم بالمبدع الأول ، فلم يكن في العدل أن يسقط أو يهبط لأنّه قد عظم الحد الجليل الفاضل ، فوجب أن تعرض عليه ولاية السابق عليه في الوجود الذي هو المنبعث الأول ، إذ تخطاه وذلك بغير قصد ، ولا عمد ، إلّا استام (٣) به في تسبيحه وتقديسه للمبدع الأول ، وظن أن ذلك يجوز له ، فنقصت بذلك رتبته ، وأيضا أيدته العقول ، إلى أن يشهد لمن شهد له المبدع الأول بالإلهية ، ويسلبها عن جميع ما أبدعه واخترعه.
فلمّا فطن لذلك ورجع إلى فعل ما هنالك ، وتاب وأناب ، وتوسل بالحدود العالية عليه انتظمه قول أصدق القائلين (٤) : (يا أَيَّتُهَا
__________________
(١) فلك النار من عالم الكون والفساد والمحيط بفلك الهواء ، والهواء في باطن فلكها ، وفلك الهواء محيط بالماء والأرض والنار والهواء ألطف من الماء والأرض وهما كالذكر. والماء والأرض كالأنثى. فهكذا : فهذا هكذا. في ج وط.
(٢) لكونهم أرواحا نورانية لا كثافة فيها ولا تجسيم ، ولا يحويها مكان ولا احتاج مبدعها إلى زمان.
(٣) هكذا وردت في جميع النسخ.
(٤) هذه النظرية أي نظرية الهبوط عالجها أغلب فلاسفة الإسماعيلية وخرجوا منها بأن الهبوط كان لسهو المنبعث الثاني وعدم اعترافه بفضل السبق للمنبعث الأول ، وتوهم أنه يساويه في المرتبة ،