وأوجب أن يوجد عنه اثنان ، بسبب هاتين النسبتين ، وليس ينسب إلى ذلك الحد الجليل دناءة (١) بتشريف الله له وتعظيمه بما استحقه من الفضل بسبقه ، وإنّما معنى النسبة الأشرف من النسبتين هو تسبيحه ، وتقديسه ، وتوحيده ، وتمجيده ، للمتعالي عليه سبحانه ، وهو الإضافة له إليه هذه (٢) العبادة العلمية والعملية. فالعلمية ما هجم عليه من إلهية مبدعه ، والعملية شهادته بما شهد به أول عمل مقبول بما هو أصل التوحيد والعبادة ، كما قال تعالى : (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٣) وقال : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٤). وقال : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (٥).
فهذه هي النسبة الأشرف للمبدع الأول المخصوص بالإلهية ، المصروف إليه تأييد العالم وتكوينه وتصويره (٦). ذكر الله عزوجل في محكم كتابه بتسميته له في آية واحدة بأربعة أسماء تدل على عظمته ، بقوله : (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (٧) الآية.
وأمّا النسبة الأدون المضافة إلى ذاته ، فذلك أنّه لمّا فكر أولا فيما قد ذكرناه ، وفطن بإلهية مبدعه فشهد بما شهد به ، واستمر بصدق نيته ، وحسن طويته ، في التقديس والتسبيح والتعظيم ، بفرح وسرور ، وجذل وحبور ، وغبطة بما حصل له من ذاته بذاته في ذاته ، بما هو عين كماله وتمامه ، وجد عنده من التأييد والبركة والنور بفعله ، خطر في باله عجبا زاده
__________________
(١) هكذا وردت في جميع النسخ وفي كتاب راحة العقل للكرماني والرسالة الدرية في معنى التوحيد.
(٢) هذه : سقطت في ج وط.
(٣) سقطت هذه الآية من ج وط. سورة ٤٣ / ٨٦.
(٤) سورة ٣٩ / ٩
(٥) سورة ٥٦ / ١٠ ، ١١.
(٦) يريد تصويره عقليا في المستفيد ليستمد من رحيقه العرفان الحقيقي السرمدي الذي ينقله من حد القوة إلى حد الفعل.
(٧) سورة ٥٩ / ٢٤.