الأول ، وذلك أن الشخص البشري يولد الكل منهم أطفالا جهالا لا علم لأحد منهم يفضل به على من سواه إلّا كما قال الله تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) (١) الآية. فذلك العالم كان متساويا متكافئا من طريق العدل بالقوة في كمالهم الأول من حياة وعلم وقدرة.
وهذه الصورة مثلا مضروبا يهتدي بها «هذا التصوير» (٢) وقد جعلناه تقريبا للافهام في معرفة الابتداء ، لكونه الأصل الذي تتفرع منه العلوم كما قال مولانا القائم صلوات الله عليه (٣) : معرفة الابتداء والانتهاء العلمان الجليلان (٤) اللذين تفرعت منهما العلوم ، والنبأ لا يكون إلّا على الأساس الصحيح.
وذلك أن عالم الإبداع الذي صورنا كون ظهوره معا دفعة واحدة لم يسبق أوله آخره ، ولا آخره أوله ، متساويين متكافئين بميزان العدل ، وموجب الحكمة في الكمال الأول بالقوة ، في الحياة والعلم والقدرة ، بلا تفاضل ولا تباين ولا تغاير ولا تفاوت.
إذ لو كان ذلك كان بالنقصان في القدرة ، وإما العجز في المشيئة ، وإما الجور في الخيرة ، وجميع ذلك منفي عمن جلت قدرته ، وعظمت مشيئته ، فكان وجودهم معا على سبيل النقط التي جعلناها في الوسط على سبيل ما ذكرت الحكماء ، ومثلته بحب التين المجتمع في كل حبة منه ما لا يحصى.
فلمّا كانوا على ذلك تحرك منهم واحد من ذاته بذاته ، حركة فكرة
__________________
(١) سورة ١٦ / ٧٨.
(٢) سقط ما بين قوسين في ج وط.
(٣) يريد الإمام الفاطمي القائم بأمر الله الخليفة الثاني في المغرب (٢٨٠ ـ ٣٣٤ ه.)
(٤) يقصد المبدأ والمعاد.