ومن أهل المقالة من يرى أن في الابتداء خطيئة وقعت على بعض العالم الروحاني مثل الشخص الفاضل صاحب الرسائل نضر الله وجهه ، وأن تلك الخطيئة أوجبت الهبوط والتكثف.
وفرقة تنفي الخطيئة ، وتقول (١) التكثف من سبب نقصان النفس عن مرتبة العقل «وبعد الهيولى والصورة عن مرتبة النفس والعقل» (٢) ؛ وجاءوا في ذلك بمثل ما جاء به أهل الظاهر ، باعتقادهم أن الله تعالى خلق آدم من طين على ما جاء في التنزيل ، ولا مخلوق معه سواه ، وخلق زوجته من ضلعه ، ثم تزاوج وأولد ذكورا وإناثا ، وزاوج بينهم باختلاف البطون ؛ فأوقعوا على قدرة الله تعالى العجز والقصور في جميع الأمور ؛ باعتقادهم أنّه قدر على خلق واحد من البشر. فما المانع الذي منعه أن لا يخلق ما قد أراده معه؟ فكان اعتقادهم ذلك خداجا شابوه بالجور والفساد ، فضلّوا وأزالوا وأضلوا ، ببعدهم عن الطريق وميلهم عن أهل الحق والتحقيق ؛ لقوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٣). قوله : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ
__________________
(١) أقوال فلاسفة الإسماعيلية حول نقصان النفس عن مرتبة العقل متنوعة لأن كل واحد منهم سلك طريقا غير الذي سلكه زميله لإثبات هذا النقص ونوعه وكيفيته ، ولكنهم متفقون على أن ذلك النقصان هو في الرتبة لا في الذات ، لأن وجود ما دون العقل الأول بالإضافة إليه وجود ناقص لأنه فوقه ، فإن الأشياء كلها تامة في ذواتها لكون وجودها عن التمام الذي هو العقل الأول ، ولا نقصان فيها إذ لو كانت ناقصة في ذواتها لكان محالا وجودها عن التمام. والمحتاج إلى التمام هو فعل النفس لا ذات النفس ، لأن فعل النفس لا يتم إلا بزمان ، وانبعاث النفس هو مع الزمان ، كما ان العقل الأول هو والزمان واحد ، لأن المبدع الأول هو والإبداع والزمان والتمام أيس واحد ، لأن الباري أبدع الأيسيات كلها دفعة واحدة.
(٢) سقطت هذه الكلمات الموضوعة بين قوسين من ج وط.
(٣) سورة ١٦ / ٤٣ و ٢١ / ٧.