بمنزلة النفس وقابلها وأخذ منها بغير واسطة ووصلت إليه المادة من الأول بتوسط العلة فقام مقام النفس وارتقت النفس إلى حد العقل ، وهي درجة سدرة المنتهى التي عندها جنة المأوى ، وأيضا إذا انتقل القائم على ذكره السلام من هذا العالم إلى العالم الروحاني بعد استقرار ما قرره وتدبير ما تدبره ، أمر ونهى من أمور ما يحتاج إليه كيف يشاء. لأن كوره طويل وليس إلى صفته سبيل ، ولا يجوز أن نذكر ما كان بعده إلا رمزا أو إشارة دون التصريح ، وفي هذا المقدار كفاية لمن عنده علم من الكتاب.
فإذا انتقل إلى العالم الروحاني يكون كلّا لمن دونه ، وتلحق النفس كما ذكرنا بمنزلة الأولى. وقد ذكرنا أن علم الأنبياء جزء من علمه ، فإذا كملت الأجزاء كلها صار حده عظيما لا يوصف عظمة وعلو شأن ، فمن أجل ذلك قلنا إنّه الولد التام.
وقال أيضا : اعلم أن جميع المعلومات من اللطيف والكثيف المخلوقين هما جميعا بجملتهما في العقل لا يغرب عنه شيء من الأشياء من دقيق وجليل ولطيف وكثيف. ثم يكون في أفق النفس وأحاطت به بما أفاض عليها العقل من ضيائه وأنواره ، ومنها ما هو غائب وما هو محجوب عنها ، وهي أعني النفس تستفيد من العقل ما هو محجوب عنها من المعلومات ليصير عندها معلوما ، والعقل يفيدها ليخرجها من حد القوة إلى حد الفعل. وإن النفس تفيد دونها على التدريج شيئا بعد شيء. وكذلك سائر الحدود الروحاني والجسماني يستفيد بعضهم من بعض حتى يستقر ذلك كلّه في صاحب التمام والكمال الذي هو صاحب دور الجزاء ، ويكون شأنه بالفعل ليقوم مقام النفس في دار الآخرة.
وتتخلص النفس من الإفادة والاستفادة ، وتلحق بحظيرة القدس. فإن اجتهاد الحدود كلها أن يقيم كل واحد منهم من يقيم مقامه وفي ذلك تمام أمرهم وخلاصهم وبهذا جرت الأمور في الابتداء وكذلك يكون في الانتهاء