القوة إلى حد الفعل التي هي المنى والنهاية إلّا بمن يقوم مقامها وينوب منابها ويحمل أثقالها. احتاجت أن تقيم أبا وأما دينيا روحانيا وجسمانيا ليفتتح بينهما الولد التام من حد القوة إلى حد الفعل ففعلت ذلك ورتبت المراتب الروحانية والجسمانية على خير نظام لإخراج الولد التام الذي يقوم مقامها ويحمل أثقالها ، وتستغني هي عمّا كانت عليه العمل والنقص ، وتلحق بمرتبة الأول الذي هو العقل بإفادتها منه ومعونة علتها التي هي وحدة الباري سبحانه ، فنطق النفس هم النطقاء عليهمالسلام ، والولد التام هو صاحب الرتبة العالية والمرتبة السنية وهو قائم القيامة ، ويدل عليه قول الله سبحانه : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١).
وهذه الآية لها ظاهر صحيح مشاهد مرئي لا نحتاج إلى إيراده وشرحه لشهرته في ظاهر الحال. فأمّا بيان الآية وتأويلها فنحن نبين ذلك إلى أهله ومستحقّه والحمد لله ربّ العالمين :
وفي تأويلها وجوه كثيرة ، فأمّا في هذا الوجه فهي تدل على مراتب النطقاء السبعة أولهم آدم عليهالسلام مثله مثل السلالة لأنّه كان ابتداؤه ضعيفا ، ونوح مثله مثل النطفة ، وإبراهيم مثله مثل العلقة ، وموسى مثله مثل المضغة ، وعيسى مثله مثل العظام ، ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم مثله مثل اللحم ، والقائم مثله مثل إنشاء خلق آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين على إتقان الروحانيين والجسمانيين بأمره ووحيه وكلمته. فدل ذلك أن الولد التام في الحقيقة هو صاحب القيامة ، لأن الله سبحانه قد بين بقوله : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) غيرهم ، لأنّه قد خرج من حد القوة إلى حد الفعل ، ومن تقدمه من
__________________
(١) سورة : ٢٣ / ١٢ ، ١٣ ، ١٤.