فهذه فصول تنزه المتعالي عما تتصف به مبدعاته ، وعن الأسماء التي تتسم بها مخترعاته ، فلا ثبات لتوحيده وتمجيده ، وتنزيهه وتجريده ، إلّا بمعرفة حدوده (١).
وقد جاء عن سيدنا حميد الدين ق س. في آخر كتاب راحة العقل ما ختمه به ، ما هو الحق الواضح ، والمعنى اللائح بقوله : وإن سعادة الأنفس بالتعليم من الهداة المرسلين (٢) مثل نبيّنا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣) والأئمة من ذريته القائمين مقامه في الهداية والتعليم. وإن سعادتها لا تتم إلّا باستفادة ما تعمله وتعلمه منهم (٤) ، وإن تعلم وتعتقد في توحيدها أن المتعلّق به (٥) الموجودات سبحانه ليس له في الموجودات لا صورة ولا صفة ولا أمر من الأمور ، فيكون للعقول بها وصلة إلى الإحاطة به (٦) وبحسب تصورها ، فإن كل متصور ومنبأ عنه بلغة من اللغات ، فهو خلقه وفعله تعالى وتكبر ، وإذا قصد أحدنا الإخبار عنه بما يحسب أنّه دقّق ونظر ، وفكر وتوهم
__________________
(١) يعني العلوية والسفلية.
(٢) المرسلين : الراشدين ج.
(٣) باعتباره الناطق السادس مثال السابق في دوره.
(٤) لأنهم صفوة البشرية يمنحون السعادة لمن طلب حقائق الأشياء ، وشاء الانتقال من العالم الطبيعي إلى العالم الروحاني مغبوطا مثابا قادرا على نيل فوائده من الاغتذاء من نعيمهم ، والالتذاذ باتحاد روحه الجزئية بالنفس الكلية ويصير لها ناموسا أصليا.
(٥) يريد السابق في الوجود علة العلل الذي يمد كافة الحدود الروحانية ولا يستمد منها لأنه هادي بجوهره.
(٦) الإحاطة به : العقل جوهرا محيطا بالأشياء كلها لأنه السابق في الوجود قبل كل محاط به ، ولا يمكن توهم شيء نه محيط بالعقل لأنه يحيط بكافة المعقولات لأنه علة لجميع مراتب الموجودات فجميع مراتب الموجودات واقعة تحته لأنه أصلها ، والمعلول لا يعطي ولا يوجد فيه إلا ما أفاضت عليه علته بذاتها لأن ما كان في المعلول موجودا موجود في العلة التي عنها كان المعلول موجودا.