وقال أيضا : باري البرايا في القدم ، أوجد لهم ذاته ، كما حكم حكم بالحق ، ولم يدع إلى عدم. فهو الظاهر لتثبيت الحجّة عليهم ، وهو الباطن الذي لا يدرك بالحواس والأوهام ، أقام في العالم الذي برأه (١) ، وكل ينظر إليه على قدر صفائه ، أو كالناظر إلى وجهه في المرآة. آنس إليهم لتثبيت الحجة عليهم ، إذ هم يعجزون عن إدراك كيفيته (٢) ، ولا يبلغون بقوة عقولهم إلى معرفة ماهيته ، وحقيق على من لم يصح له الوجود ، ولا معرفة الحدود ، أن يلزم الإنكار والجحود.
وروي عن مولانا الصادق (٣) صلىاللهعليهوسلم أنه سمع رجلا يكبر فقال له : بما ذا أكبر من كل شيء؟ فقال : إذا حددته والله أكبر أن يحد أو يوصف ، ولا ينعت بالأشباح ، ولا يقرن بالأرواح ، ولا بالحدود والنواح ، وتعالى أن يجس أو يحس أو يدرك بعقد ضمير ، أو إحاطة تفكير ، وما كان من آي التشبيه فمراده به أولياؤه الذين هم صفاته الحسنى ، وأسماؤه العليا (٤) ، وإلّا لم يصح عقد التوحيد ، ولا بان الازدواج من التجريد ، جل عن العيون أن تبصره ، وعن الأوهام أن تحصره ، وعن الحجب أن تستره ، وعن الأزمنة أن تغيره ، وعن الأمكنة أن تعتوره ، وتعالى عن الاضداد والأنداد ، وفعل الفساد ، وإخلاف الميعاد ، وتكليف ما يعجز عنه العباد.
__________________
(١) براه : براه إلى ما بعد إمام في ج وط.
(٢) يكون العجز بالمفهوم الإسماعيلي عن الإحاطة لأن النفس قائمة بالقوة بالطبع لذلك فهي تشتاق إلى القيام بالفعل وذلك لن يتيسر لها إلا عن طريق الإفادة من المفيد للوصول إلى كمالها ، لكونها ناقصة محتاجة إلى ما تسد به من المعارف التي فيها كمالها وذلك عن طريق العقل الذي تكتسب من فوائده ما يمكنها حمله وإحاطته به. فإذا اعجزها صعوبة المسلك ، هبطت كليلة تعبة من جهة الهبوط لا من جهة الصعود ، والعقل يفيض العجز عليها عن نيل جميع فوائد العقل. يعجزون : عاجزون ج.
(٣) الإمام جعفر الصادق (٨٣ ـ ١٤٨ ه).
(٤) العليا : العلية ج.