ومثل اجتماعه من جميع أجسام الحدود ، وفعل الفاعل له ، مثل صائغ يصوغ الذهب ، ويعمل العلوق (١) الرفيعة ، وكان (٢) يعمل لبعض الملوك ما له من أعمال ، وليس له صنعة إلّا علوق الذهب الرزينة الثمينة ، وهو يرفع فضلاتها ممّا يبرده ويخرشه ، ويحتفظ به ، فلما احتاج إليه الملك لعمل تاج ، أمره أن يظهره ويقدره ؛ فإذا هو كثير ، ثم أخلصه وصفاه ، وأخرج ما فيه من آثارات الكمال ، وسواه وسكّه بعد التعريق (٣) ، وعمله تاجا حشا (٤) فيه من النقوش ، والصور ، والتماثيل ، ما يليق به ممّا رصعه باليواقيت الثمينة ، والدرر المبينة ، بما هو يشاكله ويماثله ؛ فلما أفرغه دفعه إلى الملك الذي هو له ، فنظره وأعجبه ، وصاروا جلساؤه ، وأهل خاصته ، يتعجبون من حسن منظره ، وبهاء صورته ، وكثرة قيمته ، وتمام صنعته ، وصار الملك يتجمل به في المحافل ، ويصونه عن البذلة.
فذلك الغلاف مثاله مثال ذلك فالحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله. وفي ذلك قال مولانا الصادق صلوات الله عليه : كثائفنا لطائف شيعتنا ، ولطائف شيعتنا كثائفنا. وهذه إشارة إلى الناحية الريحية المجتمعة من الجميع فيكون ذلك الجسد اللطيف الشريف ، العالي المنيف ، النير المضيء ، البهي السني. سمع كلها ، بصر كلها ، شم كلها ، نطق كلها ، قد أحرزت اللغات جميعا ، والألحان والصفات. ذكر ذلك مولانا الصادق صلىاللهعليهوسلم لما سئل عن البلاغ ، فقال : البلاغ بلاغان : بلاغ جزئي ، وبلاغ كلي. فأما البلاغ الجزئي فمن درجة إلى درجة ، ومن مرتبة إلى مرتبة ، وأما البلاغ الكلي فهو استكمال المراتب كلها ، والبلاغ إلى
__________________
(١) يريد ما يعلق في العنق من العقود والسلاسل والقلادات والقروط والأحراز والدبابيس.
(٢) وكان : وكما في ج.
(٣) التعريق : التعريك في ج وط.
(٤) حشا : حسنا في ج وط.