من ذاته استعاره ، وفي ذاته وجده ، فلا يحصل إلّا على تصور ذاته ، فيرجع حاسرا عالما بأن ذلك غير مقدور عليه (١). ولما كان الإبداع فعلا ووجودا محضا ووجهه إلى أن يكون موجودا ، فهو عمّا هو خارج عن ذاته الذي عنه صدر إلى الوجود في شغل ، ولا سبيل له إلى ملاحظته والإحاطة به ، فهو متحير ، ومع كونه متحيرا ، فهو مشتاق إلى الملاحظة للإحاطة ، وأنّى له ذلك (٢) والامتناع قد حجبه ، فتحيره كتحير الطالب للقبض (٣) على الماء بيده ، والمشتاق إلى اعتلاء شعاع الشمس ببصره ، فهو في حيرة ، وليس له من العلم أكثر من علمه بذاته بأنها مبدعة مشتاقة إلى ما عنه وجدت ، متحيرة فيه ، وليس كونه عاجزا عن عقل ما عنه وجوده وإدراكه ، ومتحيرا فيه لنقصان في ذاته على حسب ما يكون في ذواتنا بجهلنا ما لا نعلمه ، بل لكون المتعالي سبحانه على أمر يعظم عن الإدراك ، ويتعالى عن إحاطة عقل به (٤) إذ
__________________
(١) لأن الخلوص إلى المعرفة لا يكون إلا بالعناية التامة وذلك في إصلاح أمر النفس وتقويمها بتحليها بالمعارف ، وتحسينها باداء الفرائض وتشويقها إلى مساكنة الملائكة ، ومجاورة الملأ الأعلى ، وذلك يكون عن طريق التوحيد ومعرفة الحدود العالية والدانية ، والاعتراف بأن كل حد منهم واحد في مرتبته ، لا يشاركه فيها سواه.
(٢) يعني العقل يحيط بجوهره العالم الطبيعي باعتباره مركزا لعالم الأجسام العالية الثابتة إلى الأجسام المستحيلة المسماة عالم الكون والفساد. لأنه العلة الأولى لوجود ما سواها من الموجودات ، والمبدأ الأول لحركات جميع المتحركات في عالمي العقل والجسم. فهو دائم الإشراق في الأدوار يقبل ما يتصل به من فيض وإبداع المبدع. والاشتياق يعني أن النفس تنهد دائما وأبدا إلى الوصول لمعدنها ، ولما كانت جزءا انبثقت من الكل فشوقها يكون من أجل بلوغ كليتها. وباعتبار أن كل محيط يكون أشرف من المحاط به وأسبق وجودا ؛ ولما كان العقل جوهرا محيطا بالأشياء كلها لأنه السابق في الوجود قبل كل محاط به والجوهر الثابت الذي تنتهي إليه الجواهر العقلية كلها ؛ وبحسب المفهوم الإسماعيلي من يمتنع عن معرفة هذه الأمور تحجب عنه الإحاطة.
(٣) للقبض : سقطت في ج ط.
(٤) إذ لا سبيل لإدراكه تعالى بعقد ضمير ولا بإحاطة تفكير.