فهذا القول يفصح (١) بأن تلك الجملة إذا خرجت إلى الكمال الأول ، استجاب كل شخص عائد من جسم محدود لرتبة حده العائد من جسمه السابق عليه أولا ، كما قال الله تعالى : (حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) (٢). وقال تعالى : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (٣). وقال : (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٤). ولا رجعة إلّا للأجسام التي قد فارقت لطائفها.
وأما الذين يهبطون ، فإن لطائفهم تمتزج بكثائفهم ، وتشيع فيها وتستولي عليها البرودة ، فتجمد ، ولا تفارق ، وتنحفظ للتكرار. إذ لا خلاص لها من الكثافة ، ولا تفارق الحس والنماء أبدا ، وعلى ما ذكرنا أن كل من يرجع من حد الجسم يوما ما إلى القامة الألفية ، يظهر بظهوره من أجسام من كان في أفقه من تابعيه ، وأهل طاعته أشخاصا ، ثم ترتبه العناية الإلهية في مرتبته التي كانت له بالاستحقاق ، ودعا إلى مولاه ، فلا يتخلف عن إجابته كل من ظهر بظهوره من أهل الدور الأول ، ممن كان من أهل دائرته. فالعائد من جسم المؤمن مؤمنا ، ومن جسم المأذون مأذونا ، ومن جسم الداعي داعيا ، ومن جسم الباب بابا ، وكل حد محدود إلى الحد الذي كان فيه ، فيكرر ويصعد ما صفا من تلك الكثافة ، فيكون منها نفسا إلى حد أعلى ممّا كانت فيه ، فذلك كذلك.
وقالت العلماء : إن البيت لاحق بربه يوما. ذلك ما ذكر في رسالة الحيوان ، في عودة الأجسام ، أيضا سر من الأسرار ، وذلك أنها تنقسم في الرجوع إلى ثلاثة وجوه : الأول منها : أن الأجسام الأخيار الأبرار ، من الحدود والمؤمنين ، إذا انتقل اللطيف من الكثيف ، تعفن الجسم ثلاثة
__________________
(١) يفصح : مفصح في ج.
(٢) سورة ٥٠ / ٤٤.
(٣) سورة : ٣٦ / ٧٩.
(٤) سورة : ٥٠ / ١٥.