بعد إقامته فيما بين الماء والطين تسعة أشهر ، مائتين وسبعين يوما. فلمّا صارت الشمس في برج العقرب ، وتقوّى الإنسان البشري ، وفتح فاه ، وطلب الغذاء من فمه المهيأ له ، وسار لستة أشهر من يوم خلع المشيمة التي كانت تلفه ، وهو في هذه الستة الأشهر يرضع إبهامي يديه ، وهو يخرج منهما له غذاء ما بين اللبن والدهن ؛ ولذلك ان المولود إذا ولد يتعلق بإصبعيه ويرضعهما على سبيل الفطرة الأولة ، فسار وهو في الخلق والقوة كمولود أربع سنين لقوة الأبوين وعظمتهما ، والتسعة التي كان فيها في المغارات. وليس صغر جثته مولود النطف ، إلّا من ضيق مكانه ، فتأزت الأرحام على قدره.
فأول ما يأكل التين ، والعنب ، والفواكه ؛ مما لطف من الثمار بقوة الإنسان. فهذا شرح بدء (١) المواليد الثلاثة وظهور الجنس البشري الذي هو أول الفكرة وآخر العمل.
قال الشخص الفاضل صاحب الرسائل نضر الله وجهه في رسالة الحيوان (٢) : واعلم يا أخي أن الحيوانات التامة الخلقة العظيمة الصورة ، كلّها كونت في بدء الخلق ذكرانا وإناثا من الطين والماء تحت خط الاستواء حيث يكون الليل والنهار هنالك متساويين ، والحر والبرد معتدلين ، والمواضع
__________________
(١) يريد بالمواليد الثلاثة المعادن والنبات والحيوان ولا وجود لنوع من أنواعها إلا عن المزاج الحادث من الأركان الأربعة بمفاعلة كيفياتها الأربعة التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة بعضها في بعض بالإضافة إلى تأثيرات المؤثرات من فوقها.
(٢) الرسالة الثانية والعشرون من رسائل اخوان الصفاء ج ٢ ص ١٨١ والنص هكذا ورد : «واعلم يا أخي بأن الحيوانات التامة الخلقة كلها كان بدء كونها من الطين أولا من ذكر وأنثى توالدت وتناسلت وانتشرت في الأرض سهلا وجبلا ، وبرا وبحرا ، من تحت خط الاستواء حيث يكون الليل والنهار متساويين ، والزمان أبدا معتدلا هناك بين الحر والبرد ، والمواد المتهيئة لقبول الصورة موجودة دائما.».