وقوتها ، وفي باطنه من حرارة الشمس جزء لطيف معتدل ، محيي (١) مادته من الشمس إلى باطن القمر كما ذكرنا.
فلمّا نفخ فيه الروح ، ودارت في جميع أعضائه ، ومادتها من قلبه ، تنفس من منخريه وفمه ، وتنسم النسيم الحار المعتدل من جنس حرارة الهواء ولينه ، المتفرد بطبعه ، فجعل التنفس يزيد به انبساطا وحركة ، وحسابا بالنسيم الذي يستمده من خارجه الذي هو من سطوع أشعة الأفلاك والأملاك ، الذين كان منه اجرامها أولا ، ووقوعه على بسيط الأرض.
ثم لم يجد منفذا فيها ، فترجع الأشعة صاعدة ، فتمتزج (٢) ، وتعتدل ، فيصير على غير طبائع الأمهات ، لأنه من أشعة الأفلاك ، ومن قوى الأمهات. وقد صار جنسه غير جنس الكل ، حياة طبيعية ، محيية للحيوان ، مبردة على النبات ، ملينة لما خشن. وهو النسيم المشار إليه بالبحر السيال ، المحيط بالأرض ، وهو أصل الرطوبات ، المنشف من الأرض الدخان ، ومن البحر البخار ، الكائن منه المزاج والممتزج ، وهو الذي يكف أذى الأثير والزمهرير ، في كثير من الأوقات بقوة اعتداله ، وتوسط حاله ، فكان ذلك كذلك.
فلمّا تحرك الإنسان بالحياة المتصلة به ، التي دخلت عليه عند كماله ، من قوى الأفلاك ، التي هي نفس الحس ، فيتنفس ورجلاه تجذبان رطوبة ذلك الدهن (٣) ، ويستمد منه مادة الغذاء ، وهو يتمرغ في الموضع الذي نشأ فيه ، وهو يجتذب ببدنه تلك الرطوبات وخواصها ، كما يجتذب حجر المغناطيس الحديد ، بالمشاكلة والمناسبة ، بسريان العناية الإلهية إليه. وهو يتقلب يمنة ويسرة ، وقد انحسمت سرته ، وهو ينمو بذلك ، وتزداد قوته
__________________
(١) سقطت في ج.
(٢) فتمتزج : فتمزج في ط.
(٣) الدهن : سقطت في ج.