دعوته وفي أموره جميعا ..
هذه الشخصية الكريمة الحبيبة الميسرة لليسرى كانت كذلك لكي تحمل إلى البشرية هذه الدعوة. فتكون طبيعتها من طبيعتها ، وحقيقتها من حقيقتها ، وتكون كفاء للأمانة الضخمة التي حملتها ـ بتيسير الله وتوفيقه ـ على ضخامتها ... حيث تتحول الرسالة بهذا التيسير من عبء مثقل ، إلى عمل محبب ، ورياضة جميلة ، وفراح وانشراح ..
وفي صفة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وصفة وظيفته التي جاء ليؤديها ورد في القرآن الكريم : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (١) .. (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) (٢) فقد جاء ـ صلىاللهعليهوسلم ـ رحمة للبشرية. جاء ميسرا يضع عن كواهل الناس الأثقال والأغلال التي كتبت عليهم ، حينما شددوا فشدد عليهم.
وفي صفة الرسالة التي حملها ورد : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٣) .. (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٤) .. (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٥) .. (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) (٦) فقد جاءت هذه الرسالة ميسرة في حدود الطاقة لا تكلف الناس حرجا ولا مشقة. وسرى هذا اليسر في روحها كما سرى في تكاليفها (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) (٧).
وحيثما سار الإنسان مع هذه العقيدة وجد اليسر ومراعاة الطاقة البشرية ، والحالات المختلفة للإنسان ، والظروف التي يصادفها في جميع البيئات والأحوال .. العقيدة ذاتها سهلة التصور. إله واحد ليس كمثله شيء. أبدع كل شيء ، وهداه إلى غاية وجوده. وأرسل رسلا تذكر الناس بغاية وجودهم ، وتردهم إلى الله الذي خلقهم. والتكاليف بعد ذلك كلها تنبثق من هذه العقيدة في تناسق مطلق لا عوج فيه ولا انحراف. وعلى الناس أن يأتوا منها بما في طوقهم بلا حرج ولا مشقة : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه (٨)» .. والمنهي عنه لا حرج فيه في حالة الضرورة : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (٩) .. وبين هذه الحدود الواسعة تنحصر جميع التكاليف ...
ومن ثم التقت طبيعة الرسول بطبيعة الرسالة ، والتقت حقيقة الداعي بحقيقة الدعوة. في هذه السمة الأصيلة البارزة. وكذلك كانت الأمة التي جاءها الرسول الميسر بالرسالة الميسرة. فهي الأمة الوسط ، وهي الأمة المرحومة الحاملة للرحمة. الميسرة الحاملة لليسر .. تتفق فطرتها هذه مع فطرة هذا الوجود الكبير ..
وهذا الوجود بتناسقه وانسياب حركته يمثل صنعة الله من اليسر والانسياب الذي لا تصادم فيه ولا احتكاك .. ملايين الملايين من الأجرام تسبح في فضاء الله وتناسب في مداراتها متناسقة متجاذبة. لا تصطدم ولا تضطرب ولا تميد .. وملايين الملايين من الخلائق الحية تجري بها الحياة إلى غاياتها القريبة والبعيدة في انتظام وفي إحكام.
__________________
(١) الأنبياء : ١٠٧
(٢) الأعراف : ١٥٧
(٣) القمر : ٢٢
(٤) الحج : ٧٨
(٥) البقرة : ٢٨٦
(٦) المائدة : ٦
(٧) الروم : ٣٠
(٨) أخرجه الشيخان
(٩) الأنعام : ١١٩